انتقد الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين تعاطي المؤسسات الحكومية ومسئوليها وأصحاب العمل معهم، مشيرا إلى أن ثلاث سنوات مضت على إقرار مرسوم 33 "قانون النقابات العمالي"، الذي ينص صراحة على "حق تشكيل العمال في المؤسسات الحكومية لنقاباتهم العمالية"، ومازالت الحركة النقابية والعمالية تطالب بتطبيق القانون وتشكيل النقابات في المؤسسات الحكومية، والحكومة ترفض ذلك.
وقال نائب الأمين العام للاتحاد سلمان سيدجعفر المحفوظ: "إنه من الضروري تطبيق القانون في ظل وجود مشروع إصلاحي والمناداة بالعمل المؤسسي، وإعطاء العمال حق المشاركة في صنع القرار المتعلق بمصيرهم".
وأضاف المحفوظ: للأسف الشديد لم يكن هناك تعاون من قبل الجهات الرسمية، وأصحاب العمل لحلحلة الكثير من القضايا العمالية، بل إن الكثير من قضايا الفصل التعسفي والتضييق تعرض لها النقابيون نتيجة عملهم النقابي. وانتقد المحفوظ فشل الحكومة في تشكيل مجلس إدارة الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية المشكل بالتساوي بين أطراف الإنتاج الثلاثة، مشيرا إلى "أن المجلس الحالي يجتمع من دون التمثيل العمالي، ما يفقده الصفة الشرعية". وتطرق المحفوظ إلى مشروع إصلاح سوق العمل، مؤكدا وجود "تمييز بين أطراف الانتاج في التمثيل في هيئات إصلاح سوق العمل وجعل العمال الحلقة الاضعف دائما في هذه الهيئات".
وبعد مضي ثلاث سنوات من إقرار قانون النقابات وعيد العمال "الذي سيحتفل به غدا"، مازال اتحاد النقابات يطالب الحكومة بأن يكون لها موقف واضح تجاه قضاياه، ومن أهمها عدم التكافؤ في العلاقة بين أطراف الإنتاج الثلاثة وقضية التمثيل في هيئتي التأمينات الاجتماعية وصندوق التقاعد، وكذلك التمثيل في مشروع إصلاح سوق العمل.
ويبقى الاتحاد النقابي يناضل من أجل إلغاء تعميم ديوان الخدمة المدنية الذي يحرم بموجبه قيام أية نقابة عمالية في القطاع الحكومي، والاتجاه إلى وضع تشريعات تنظم عملية خصخصة المؤسسات الحكومية لضمان حق العمال.
ثلاثة أعوام منذ إقراره والقضايا المطروحة فيه لم تتغير
"عيد البؤس" أم عيد العمال أم بقايا أمل داسها الطوفان؟
الوسط - هاني الفردان
كم هي القضايا التي استطاعت الحركة العمالية حلها؟ وكم هي القضايا التي فشلت في كسبها؟ كم من قضية مازالت عالقة؟ وكم من مشكلة حلها مفقود في ظل كل هذه التراكمات العمالية والنقابية؟ وكيف بنا أن نجعل من كل عامل على أرض هذه المملكة يبتسم لهذا "العيد" يهنئ زميله العامل أو مسئوله في المنشأة، يتمنى له عام خير مملوءا بالتفاؤل والأمل؟ مازال ذلك حلما بالنسبة إلى طبقتنا العاملة في المملكة التي ما إن تتخلص من مشكلة حتى تقع في مشكلة أخرى أكبر من سابقتها. قضايا عمالنا كبيرة، والنار تحيط بهم من كل اتجاه، لا يمكن لأحد أن يتصور أن فرحة عيد العمال أشد ألما على العمال أنفسهم، عندما يجد العامل أخاه قد شرد من عمله أو أقصي من منصبه، أو مجموعة أرادت بها الحكومة "التنكيل" فأحالتهم على "الشر الذي لا مفر منه" خصخصة القطاع الذي يعملون فيه بأبخس الأثمان وأقل التعويضات.
لو رجعنا إلى الوراء لوجدنا أن الناس يميلون كثيرا إلى الاعتقاد أن مناسبة "عيد العمال العالمي" هي تقليد شيوعي للاحتفال بالطبقة العاملة التي كان لها الدور الفاعل مع طبقة الفلاحين في تعزيز الاشتراكية ونقل الملكية الفردية لوسائل الإنتاج إلى ملكية عامة وتحقيق العدالة الاجتماعية.
لكن التاريخ الحقيقي لهذه المناسبة التي يحتفل بها مطلع مايو/ أيار من كل عام هو العام 1875 حين أضرب العمال في شيكاغو بالولايات المتحدة وامتدت تلك الاضرابات لتشمل عددا كبيرا من المدن الأميركية وتخطت البحار لتصل إلى أوروبا وتشل حركة الموانئ والقطارات وغيرها من القطاعات الحيوية الأخرى، وكان مطلب العمال آنذاك هو تحسين مستواهم المعيشي عبر زيادة الأجور وتوفير الضمانات الصحية والاجتماعية، وقد تمخضت فكرة نقابات العمال في كل مكان لتصبح مرجعا ضمانيا لحقوق الطبقة العاملة. وهذا يعني أن هذه المناسبة التي يحتفل بها العمال في مناطق واسعة من العالم قد ولدت في بلد رأسمالي قبل أن تقوم الدول الشيوعية وتطرح فكرة الأممية العالمية.
وبمرور الوقت صار هذا التقليد شأنا للناس الطبقيين يحتفلون به عندما كانت مفاهيم العدالة على سروج خيلها، وكان يتم تكريم العامل النشيط وزيادة أجور العمال وترقية بعضهم وتسمية قطاعات مهمة من معاملهم بأسمائهم إلى تلك الدرجة التي أصبح فيها "عيد العمال العالمي" عطلة رسمية في عشرات الدول تلقى فيه الخطب وتقام الاحتفالات الشعبية وتنظم فيه المسيرات. وعلى ذكر المسيرات التي باتت روتينا حكوميا في معظم الدول التي نهجت النهج الاشتراكي كانت تنطلق جموع العمال من أمام المصانع حاملة اللافتات والشعارات العملاقة وجميعها تصب في جملة "عاشت الطبقة العاملة"، لكن أي عيش كانت تعيشه وما زالت تعيشه تلك الطبقة، فقد كان اليأس يعلو وجوه حاملي اللافتات بلحاهم النابتة وثيابهم الزرقاء التي غاب لونها بفعل الغسيل الرخيص وأبدانهم المتعبة، وعيونهم الغائرة التي هدها تعب الجري خلف لقمة العيش ليحققوا ما سعى إليه أسلافهم "العدالة الاجتماعية والعيش الكريم".
لقد فقدت هذه المناسبة بريقها منذ سنوات، وغاب مفهومها ورمزها الاحتفالي في ظل غياب الفرص الجيدة لعيش آمن ومطمئن، وذهبت طي النسيان جميع المراسيم التي صدرت لصالح هذه الطبقة وصار رئيس العمل يحظى بالتكريم، وقائد قطاع الخدمات ينال الأوسمة، بينما الطبقة الكالحة الثياب مازالت تجري في المسيرات حاملة لافتاتها وهي تنشد "عاشت الطبقة العاملة".
هذه مناسبة أخرى تضاف إلى عشرات المناسبات التي قتلتها دورة الروتين وداست عليها الانتهازية، وإذا لم يعلن إلى الآن موت هذه المناسبة، فعلى الأقل أجل دفنها ولعلها تنتظر رصاصة الرحمة من مغامر أو أفاق يعطيها اسما آخر يكون "عيد البؤس العالمي" بدلا من عيد العمال العالمي، وليصبح شعارها بدلا من "يا عمال العالم اتحدوا" إلى "يا بؤساء العالم موتوا قهرا"، وخصوصا أن نوابنا الاعزاء لم يجدوا شيئا يناقشونه أو يستبيحون دمه سوى هذا اليوم عندما اقترحت كتلة المقترحات العظيمة إلغاء إجازة عيد العمال وكأنه منكر من سماء جاء.
مع ذلك فلا يزال الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين يلوح في أفقه شيء من الأمل يطالب ويطالب، حتى إن اقتصرت مطالباته فقط بالصراخ والحديث من دون أن يكون له دور حقيقي في التأثير داخل ميزان القوى المسيطرة على سوق العمل "مع الحكومة وأصحاب الاعمال".
الاتحاد مازال يطالب بالكثير من القضايا العالقة بين السماء والأرض، بين الجذب والعطاء، لا هي مرفوضة ولا هي مقبولة. فالتصريحات الرسمية عكس ما هو في الواقع، فلذلك لايزال ينادي بأن يكون للحكومة موقف واضح تجاه القضايا العمالية العالقة، ومن أهمها عدم التكافؤ في العلاقة بين أطراف الإنتاج الثلاثة وقضية التمثيل في هيئتي التأمينات الاجتماعية وصندوق التقاعد، وكذلك التمثيل في مشروع إصلاح سوق العمل، فالعمال في هذا المشروع هم الحلقة الأضعف.
ويركز الاتحاد على قضية الخصخصة بعد اتجهت الحكومة في تنفيذ سياساتها إلى تخصيص مؤسسات القطاع العام وتحويلها إلى القطاع الخاص من دون وجود قوانين منظمة لعملية التحويل. وقد طالب الاتحاد بتعديل كل القوانين التي تنظم عمليات التخصيص بحيث يكون للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين دور في إجراءاتها كافة، وأن يتم تشكيل مجلس أعلى للتخصيص بمشاركة أطراف الإنتاج الثلاثة، له صلاحيات اتخاذ القرار المناسب في هذا المجال وأن تلتزم الحكومة بقراراته.
ويحمل الاتحاد معاناة القضايا المتعلقة بسوق العمل من ضرورة وجود استراتيجية واضحة لتنظيم السوق وضمان بحرنة الكثير من قطاعات العمل، والحد من العمالة السائبة، وأن يكون الحد الأدنى للأجور واضحا ومجزيا.
ويبقى الاتحاد النقابي يناضل من أجل إلغاء تعميم ديوان الخدمة المدنية الذي يحرم بموجبه قيام أية نقابة عمالية في القطاع الحكومي على رغم مخالفته الصريحة لمرسوم 33 بقانون النقابات العمالية والذي أثار جدلا كبيرا أدى بمجلس النواب إلى اقتراح تعديل القانون "الذي لا يحتاج إلى تعديل أساسا" لإثبات هذه الشرعية.
جملة من القضايا التي لو طرحت بأكملها جملة واحدة لسقطت كل مسميات العدالة العمالية ولبقي الوضع العمالي في البحرين يتراجع إلى الوراء شيئا فشيئا من دون توقف، إذ لايزال مسلسل الفصل التعسفي مستمرا من دون توقف، من دون أي جرس إنذار يقرع لمواجهة هذه الحال.
يبقى لنا أن ننتظر احتفالية عيد العمال وتصريحات حكومية ووعودا بعام عمالي جديد مليء بالمفاجآت، وبيانات عمالية تعد العمال بوضع عمالي أفضل ومطالبة مستمرة ومسيرة يخرج فيها العشرات للترفيه عن أنفسهم بعد طول عناء، ويعود في اليوم الثاني الحال على ما هو عليه من دون أي تغيير سوى بروتوكول عمالي سيعتاد عليه العمال بعد عامه الثالث
العدد 967 - الجمعة 29 أبريل 2005م الموافق 20 ربيع الاول 1426هـ