اعلن مجلس الوزراء احالته للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الى المجلس النيابي كمشروع بقانون الاسبوع الماضي، وذلك بعد نحو عام من اعلان وزارة الخارجية عن رغبة الحكومة في الانضمام إلى العهدين الدوليين "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، اذ اعلنت ذلك في 9 مايو/ ايار العام ،2004 كما صرح مدير دائرة الشئون القانونية في "الخارجية" يوسف عبدالكريم بتاريخ 25 ديسمبر/ كانون الاول العام 2004 لـ "الوسط" بأن النقاشات استكملت بين "الخارجية" و"مجلس الوزراء" وسيحال العهدان قريبا الى البرلمان.
واحيل العهد الدولي الاقتصادي بعد هذا التصريح بنحو اربعة أشهر، ولم يحال العهد الدولي السياسي كمشروع بقانون الى المجلس النيابي بعد.
أهمية العهد الدولي الاقتصادي
يكفل العهد الدولي الاقتصادي حق العمل في المادة "6" منه، وحق تشكيل النقابات والاتحادات والحق في الاضرابات العمالية في المادة "8"، ويكفل حق الضمان الاجتماعي في المادة "9"، والحق في تأمين الكساء والمأوى والغذاء في المادة "11"، ويضمن الحق في الصحة في المادة "12"، والحق في التعليم في المادة "13".
وثمة لجنة معنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لمراقبة تطبيق الدول المنضمة إلى هذا العهد، وتتبين اختصاصاتها طبقا للمادة "16" التي تنص على ان "تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بأن تقدم، طبقا لأحكام هذا الجزء من العهد، تقارير عن التدابير التي اتخذتها وعن التقدم المحرز على طريق ضمان احترام الحقوق المعترف بها في هذا العهد... ويحيل الامين العام نسخا من التقارير الى المجلس والوكالات المتخصصة المعنية للنظر فيها".
إجراءات الانضمام إلى العهد الاقتصادي
وعن إجراءات الانضمام، قال المستشار القانوني في مجلس الشورى زهير مكي: "بعد ان يحال العهد الاقتصادي من مجلس الوزراء الى مجلس النواب كمشروع قانون، فإنه يحول الى اللجنة المختصة في مجلس النواب فتعرض اللجنة توصياتها على المجلس، ليصوت عليها".
وأضاف "بعد ان يصوت عليه النواب يعرض على اللجنة المختصة في مجلس الشورى، لتعرض اللجنة توصياتها على الشورى، ويصوت عليها. وبعد موافقة المجلسين على المشروع يرفع الى الملك عن طريق رئيس مجلس الوزراء ليصدق عليه، وبهذا تنضم البحرين إلى العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية".
وبين مكي أن "دساتير بعض الدول تعطي قيمة كبيرة للاتفاق الدولي، إذ يسمو الاتفاق على القوانين المحلية لديها، بينما الدستور البحريني يساوي بين القانون المحلي والدولي، وتنطبق عليه قاعدة القانون اللاحق يلغي القانون السابق". مشيرا الى قدرة المحامين علي الاحتجاج بالاتفاق الدولي في المحاكم لكونه قانونا.
مواءمة التشريعات الوطنية للعهد الاقتصادي
ولفت إلى ضرورة "مواءمة التشريعات الوطنية في حال الانضمام إلى ما نص عليه العهد، عن طريق تغيير القوانين المحلية عبر المجلس الوطني".
يذكر ان المجلس الوطني - وهو السلطة المعنية بالتشريع - لم يسع إلى مواءمة أي تشريع وطني مع اتفاق دولي قد انضمت او صدقت عليه المملكة، كما ان الحكومة لم تعمل على المواءمة أثناء غياب السلطة التشريعية، وليس أدل على ذلك انضمام البحرين للكثير من الاتفاقات الدولية، إذ انضمت منذ العام 1990 إلى اتفاق القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وانضمت إلى اتفاق مناهضة التعذيب منذ العام ،1998 وإلى اتفاق حقوق الطفل منذ العام ،1992 كما انضمت إلى اتفاق القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في العام ،2002 ومع ذلك فالتشريعات الوطنية مازالت باقية ولم تغير بعد.
وعن ذلك قال النائب الأول في مجلس النواب عبدالهادي مرهون "طرحت كتلة الديمقراطيين مبادرة لتشكيل لجنة خاصة بمراجعة القوانين لاسيما القديمة منها - التي صدرت اثناء غياب السلطة التشريعية - ومطابقتها مع الاتفاقات الدولية التي صدقت او انضمت اليها الحكومة. ولكن السلطة التنفيذية أغرقتنا بمجموعة من مشروعات القوانين لاشغال المجلس بمشروعات الحكومة".
كما دعا مرهون النواب إلى أن "تكون جلسة يوم الثلثاء خاصة لمناقشة مشروعات الحكومة، وان تعقد جلسة اخرى لمشروعات النواب، لان هناك اولوية لمشروعات الحكومة بحسب اللائحة الداخلية للمجلس".
في الوقت الذي اعتبر فيه مكي "العهد الدولي الاقتصادي عاما ولا يشكل ضغطا رادعا للدول على عكس ما تعقده الدول من اتفاقات مع البنك الدولي على سبيل المثال". إلا إن عضو الجمعية البحرينية لحقوق الانسان عبدالنبي العكري بين أن "للعهد قيمة أدبية، ولا يوجد إلزام حقيقي في العلاقات الدولية، إلا بناء على استخدام البند السابع في مجلس الأمن، ولكن هناك إلزاما معنويا، وتسليما للتقارير بشكل دوري ليراقب تنفيذ العهد".
العهد الدولي السياسي
على رغم أهمية العهد الدولي السياسي فإن مجلس الوزراء لم يحيله مع العهد الدولي الاقتصادي الى المجلس النيابي، ما أثار استغراب الحقوقيين، وترك الفرصة سانحة للتأويل ووضع الاحتمالات. وعن ذلك قال مكي "كان من المفترض أن يحال العهدان الدوليان كمشروع بقانون لا أن يفصلا عن بعضهما" .
على الصعيد ذاته أشار مرهون الى ان "موافقة مجلس الوزراء على العهد الاقتصادي واحالته إلى مجلس النواب كمشروع قانون خطوة جيدة، وإن كانت متأخرة اذ لا يمكن تجزئة الحقوق، فلابد أن تسرع الحكومة في استكمال منظومة الاتفاقات الدولية، بالانضمام للعهد السياسي، الذي يشكل توأما مع العهد الثاني، بدلا من أن نصدر حزمة من القوانين المصادرة للحقوق والحريات، إذ ان الحكومة في الشهرين الماضيين احالت ما يقارب خمسة مشروعات بقوانين تتجرأ بشكل صريح على الحريات".
حقوق العهد الدولي السياسي
ويحظى العهد الدولي السياسي بأهمية كبيرة لانه ملزم، ويكفل الكثير من الحقوق أهمها "عدم الخضوع للتعذيب، عدم خضوع الفرد من دون رضاه للتجارب الطبية أو العلمية، وعدم توقيف أحد أو اعتقاله تعسفا"، ويكفل "حق المحرومين في المعاملة الإنسانية، وعدم جواز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي". ويضمن حرية التنقل والإقامة. والحق في عدم إبعاد الأجنبي بشكل تعسفي، الحق في المساواة أمام القضاء، حق كل إنسان بأن يعترف به أمام القانون، وحرية الفكر والضمير والدين وحرمة الحياة الخاصة، حرية التعبير، الحق في التجمع السلمي، الحق في تشكيل الجمعيات والنقابات، حق المواطن في المشاركة في إدارة الشئون العامة . وحق المساواة أمام القانون".
المأمول.
من المؤمل أن يتابع الحقوقيون مطالبتهم برفع مجلس الوزراء للعهد الدولي السياسي كمشروع بقانون إلى البرلمان، وأن يقوم البرلمان بدوره الحقيقي في مواءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقات الدولية، وأن يقوم بما لم تقم به الحكومة طيلة الحقبة الماضية، لئلا تصبح الاتفاقات مجرد نصوص جميلة، وديكورا حقوقيا تفتخر به الأنظمة في المحافل الدولية
العدد 967 - الجمعة 29 أبريل 2005م الموافق 20 ربيع الاول 1426هـ