ما فتئت حكومتنا الرشيدة من آن إلى آخر تذكرنا بمجلس التعاون الخليجي وأنها سند به وله وأنها منه وإليه، وأن مصيرنا واحد وهدفنا واحد وغيرها من الكلمات الجميلة. وهذا شيء حسن ومحبوب وطبيعي لا خلاف عليه بل هو ما نأمله ونرتجيه كمواطنين بحرينيين وخليجيين.
ولكن هل فعلا حكومتنا تستلهم السياسات والمبادئ العامة التي تسير عليها بقية دول مجلس التعاون حتى نقر بأنها تعني ما تقول عندما تلجأ إلى استخدام تلك المفردات من وقت إلى آخر؟ هنا سآخذ مثالا واحدا فقط وهو موضوع البونس ومعيار صرفه، هذا إذا عبر فترة الحمل والحضانة بسلام ولم يجهض كغيره من الأجنة المجهضة.
لنر في الكويت ماذا يحدث عادة؟ طوال إقامتي فيها التي قاربت ثماني سنوات عايشت الكثير من العطايا والمكافآت التي تقرها الحكومة، فماذا كان المعيار الأبرز في توزيعها؟ المواطنة فقط هي المعيار.
لم أسمع بكلمة قطاع خاص أو عام أو غيرها من المسميات التي توضع في غير موضعها. الشيء المنطقي والمفهوم أنه عندما تكون هناك وفرة مالية نتيجة تحسن السوق وأسعار النفط يكون التفكير في كيفية استفادة المواطن من تلك الزيادة سواء عن طريق زيادة الرواتب والمشروعات الخدمية، أو منحه مساعدات نقدية وهذا ما نريد أن نركز عليه باعتباره حديث الساعة والشارع البحريني، لذلك، فالأمر الطبيعي أن أي وفرة في الموازنة أو حساب الدولة ليس ملك فئة من المواطنين من دون أخرى، وإنما هو ملك الجميع.
في الكويت عندما تقر مثل تلك المنح والمكافآت لا يفرقون بين مواطن يعمل في البحر وآخر يعمل في البر، ولا يفرقون بين من يعمل ومن لا يعمل، بل حتى الطلاب والتلاميذ والأطفال ينالهم نصيب. وهذا ما حدث لمنحة المئتي دينار التي صرفت للمواطنين الكويتيين قبل شهور قليلة، يومها كان خبر البونس "البحريني" يصم آذان البحرينيين ويداعب خيالهم!
مثالنا الثاني نأخذه من الإمارات، فقد قرروا زيادة رواتب كل العاملين المواطنين سواء من يعمل في القطاع الخاص أو العام بنسبة متساوية، وهي 25 في المئة "لم يذكر أحد أن إجبار الشركات على زيادة الأجور سيسبب تهجيرها أو يضر الاقتصاد!" فمعيار الزيادة هو نفسه هنا، وهو المواطنة ليس إلا.
أما العاملون غير المواطنين فقد تمت زيادتهم بنسبة 15 في المئة، وفي كل الحالات لم يتم تفضيل العامل غير المواطن على العامل المواطن، وفي كل الحالات الأولوية للمواطن، وليس في ذلك انتقاص من أحد، ولكنه المنطق السليم. فحتى غير المواطن في بلده تسن القوانين مراعاة له قبل غيره، ولن نجد دولة أخرى ستعامل البحريني كما نعامل أي عامل عندنا من تلك الدولة! وهذه مفارقة لا يستطيع أحد أن يفندها، وأتمنى أن تبحث حكومتنا عمن يرد إليها الجميل ويعامل البحريني كما تعامل هي مواطني تلك الدول!
أما عندنا في البحرين فهناك معيار جديد، وهو "بدعة" من البدع، سيلام عليها من بدأ بها وسنها لنا... إلى أن يتم توقيفها وإلغاؤها من الاستخدام الحكومي الذي انتقل إلى الاستخدام النيابي وللأسف الشديد!
ماذا يقول المعيار البدعة؟ "صرف البونس البحريني للعاملين في القطاع العام". الله أكبر! ما أعظمها من بدعة! فهكذا وبكل بساطة يتم شطب العاملين في القطاع الخاص من حق هو حق لهم قبل أن يقرر من قرر شطبهم؟ ترى من أين سيتم صرف البونس، أليس من ثروة البلد؟ ترى من يستحق تلك الثروة، هل العاملون في القطاع العام فقط أم المواطنون فقط وفقط؟ وعلى أي أساس أخلاقي ووطني سيتم منح العامل غير المواطن في القطاع العام ذلك البونس، ويحرم منه البحريني العامل في القطاع الخاص؟
فضلا عن أن الجميع يعرف ويعلم أن العامل غير المواطن يتسلم "بونس" سنويا بمقدار راتب شهر واحد طوال السنين الماضية واللاحقة، والمدرسون خير مثال. وهذه طامة كبرى وأخرى في الفرق بين التعامل مع المواطن العامل وغير المواطن!
المفروض الصرف أولا للمواطنين من دون تمييز أو تفرقة، وعندما يتوافر الفائض يتم النظر في إعطاء العامل غير المواطن.
لا يمكن أن نسرد كل ما نريد ونرى، فالمقام والمقال محدود، ولكنني أنصح وأرجو أن تتغير تلك العقلية التي مازالت تعامل المواطن وكأنه محسود على بقائه بين الأحياء في دلمون الحبيبة!
* كاتب بحريني
العدد 966 - الخميس 28 أبريل 2005م الموافق 19 ربيع الاول 1426هـ