العدد 965 - الأربعاء 27 أبريل 2005م الموافق 18 ربيع الاول 1426هـ

جمعية الصحفيين... رؤية من الداخل

أحمد البوسطة comments [at] alwasatnews.com

رؤية سريالية طريفة لمعت في ذهني حين قرأت بيان جمعية الصحفيين البحرينية تعرب فيه عن "قلقها البالغ" لفصل زميلة صحافية، وكدت أن أصدق أن "المقاييس انقلبت فجأة". ولا تستغربوا كثيرا، فذاك الذي لم يكترث يوما لقطع أرزاق الصحافيين وتهديد أمنهم الوظيفي، ولم يدافع يوما عن صحافي بحريني، ولم يقف موقفا يدافع فيه عن الحريات العامة، وفي القلب منها حرية الصحافة والرأي، والوحيد من أشاد بقانون المطبوعات والنشر من دون سائر الجمعيات الحقوقية والسياسية والمدنية، كشر عن أنيابه المغطاة بطلاء "ديمقراطي قانوني إنساني حقوقي"، وأصبح يتحدث بمزايدة عن المعايير الدولية لحقوق الإنسان و"الإعلان العالمي لحقوق الإنسان"، وكأن أدمغة الصحافيين البحرينيين "تغسل وتباع وتشترى" بهذه المعايير التي هي من "أملاكهم، ولهم وحدهم" يستخدمونها بتصرف وقتما يشاؤن وضد من يشاؤن.

استفزتني في البيان معايير استخدام نصوص دستورية؟ "المادة 62" والمادة "63" من "قانون تنظيم الصحافة" التي تنص على انه "لا يجوز فصل الصحافي من عمله إلا بعد إخطار جمعية الصحفيين بمبررات الفصل، فإذا استنفدت الجمعية مرحلة التوفيق بين الصحيفة والصحافي من دون نجاح تطبق الأحكام الواردة في قانون العمل"، والمادة "66" من القانون نفسه التي تشير إلى "وجوب تشكيل لجنة تأديب برئاسة قاض وعضوية ثلاثة من جمعية الصحفيين وممثل وزارة الإعلام للتحقيق في التهم المنسوبة إلى الصحافي"! ولا أعرف إن كانت الجمعية استخدمت المعايير نفسها عندما فصلت الزميلة نفسها وآخرين من المؤسسة الإعلامية التي يرأس تحريرها رئيس الجمعية ذاتها الذي سبق وأن كتبت مقالة بصدده معنونة بـ "اشتك عليه عنده!"، فأين كانت هذه النصوص القانونية والمعايير الدولية، ولماذا يتم تزييف الحقائق والوقائع؟!

يقول الروائي البريطاني جورج أورويل: "ان تعدي الديماغوجيين الإنكليز، المثقفين والسياسيين، على عقول الناس إنما ينطلق من وظيفتهم لجعل الأكاذيب تبدو صادقة، ولكي يظهر قائد ما جديرا بالاحترام وإضفاء مظهر الصحافة على زعيم لا يتقن غير الهراء...!".

واستخدام جمعية الصحفيين "كلمة حق يراد بها باطل" لن تنطلي على العارفين بالجمعية من الداخل، وقدمت استقالتي من مجلس إدارتها في وقت سابق من العام 2003 لأن هذه الجمعية لم تدافع عن صحافي قط، وخصوصا أولئك الذين يتعرضون إلى للانتهاكات من قبل وزارة الإعلام، أم المؤسسة التي جل أعضاء الجمعية منها، ولأنها "الجمعية" منظمة شبه سرية تابعة لأي جهة إلا الصحافيين، ولأن قيادتها تتحرك من أعلى هرم قيادي بالوزارة آنذاك. ويكفي ذكر قيادة مجلس إدارتها "مديرون تنفيذيان اثنان في وزارة الإعلام، رئيس تحرير، مدير تحرير، والبقية الباقية في جلها لم تقل كلمة "لا" لمتنفذ قط، إلا وقت الشهادة".

أيضا، لا تستغربوا كثيرا، إن صادفكم "منطق من دون منطق" بحسب عنوان لمقالة للكاتب حسن العاصي يقول فيها: "ان الإنسان حيوان ناطق، على رغم شيوع هذه الفكرة إلا أني أرى أن الإنسان حيوان مثل باقي الحيوانات، وهو مختلف عن الأرنب مثلما تختلف البطة عن الفيل كاختلاف الجمل عن الذئب، لكنه قطعا لا يتميز عن سائر الحيوانات بالنطق، ذلك لأن كل الحيوانات ناطقة ولا يعني عدم فهمنا وإدراكنا لما تقوله أنها غير ناطقة! فالذئب حين يعوي يقول شيئا يفهمه باقي القطيع، وكذلك سائر حيوانات الله". فالجمعية تتحدث بمنطق من دون منطق، فلو شمرت عن سواعدها الحقوقية الآن بالسؤال، فقط السؤال عن وضع صحافي واحد هضمت حقوقه في مؤسستها "أملاكها الخاصة"، لقلنا هذا هو منطق العقل، لكن والحق يقال، إنها مستعدة أن تراقب "بقلق" ما تقدم عليه صحيفة أخرى منافسة من فصل زميل أو زميلة كانت هي سباقة في فصلها، وكنا يومها نجمع تواقيع بشكل سري وصوغ عريضة لإرجاعها إلى العمل بتدخل متنفذ، غير أن هذه الجمعية الآن تستنكر "عدم اللجوء إليها أو تشكيل لجنة تحقيق محايدة ما جعل الفصل خاليا من التراتبية القانونية، وترفض أي إجراء إداري غير قانوني من شأنه أن يهدد الصحافيين في أرزاقهم!".

نلتفت حولنا فنجد صحافيين جائعين ونصف عراة، يشيخون ويبتلعهم الفقر وضنك الحياة، ولا نسمع صوتا لجمعية الصحفيين، التي خرجت علينا في غفلة من الزمن حاملة راية الدفاع عن حقوقهم والحريات العامة التي كفلتها "المواثيق والأعراف الدولية"، وتكون بقدرة قادر داعية لحقوق الإنسان، وأشياء أخرى لا نعرفها، بقدر ما نعرف سجل الجمعية غير المشرف في هذا المجال مع تغييب كامل للمنطق، في حين أن قيادتها، وجل منتسبيها "للأسف" أسكرتهم نشوة المناصب والامتيازات، بينما لا أحد من الشرفاء يجرؤ على الأنين، فقد سلم الصحافيون البحرينيون "لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا" فرحمة بنا يا جمعية الصحفيين، لا تزايدي أكثر من ذلك، ولا تبيعين "مواقف" علينا، على رغم سعادتنا في أن يكون هناك من يتبنى الدفاع عن حقوق الصحافيين في الموقع الذي يستحق هذا الدفاع شريطة أن تكون ممارسته مطابقة لما يعلنه وينادي به، لا أن يرفع لافتة براقة تتناقض تماما مع خطابه الإعلامي "التلميعي" ومع سلوكه العملي في الواقع الملموس.

* كاتب بحريني

العدد 965 - الأربعاء 27 أبريل 2005م الموافق 18 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً