العدد 965 - الأربعاء 27 أبريل 2005م الموافق 18 ربيع الاول 1426هـ

الشائعات السورية: "أسمع جعجعة ولا أرى طحينا"!

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

أكثر من أي وقت مضى، تبدو سورية اليوم ميدانا واسعا للشائعات، ولاسيما الشائعات المتصلة بالشئون السياسية والمتصلة بالإصلاحات خصوصا. ففي كل يوم تظهر شائعة، وأحيانا ثمة شائعات يجري تداولها على مدار الساعة، وقد يحدث إجراء تعديلات على الشائعة، ليتم تداولها في صورة أخرى، وهذا يتضمن تعديلات على الشائعة سواء لجهة الزيادة أو النقص، أو إطلاق صيغ جديدة ومناقضة كليا للشائعة السابقة.

والحق فإن في الأجواء السورية بيئة تساعد على انتشار الشائعات، تبدو ملامحها الأساسية في ثلاثة مظاهر أساسية، أولها الارتباكات الحاصلة في السياسة الرسمية سواء في المستوى الداخلي أو الخارجي، والثاني رغبة السلطات في عدم اتخاذ قرارات ربما يكون لها تأثيرات سلبية لاحقة على سياساتها وقراراتها، والثالث، يمثله جو التكتم الرسمي وغياب الشفافية في علاقات الحكومة مع الجمهور.

والطريف في أمر الشائعات السورية، أن غالبيتها رسمي الطابع، تبدأ في خبر يطلق هنا أو هناك، ثم يجري تداوله سواء من دون توجيه أو بتوجيه من الجهات المعنية، والتي لا يشترط دائما انها جهات وأجهزة أمنية، ثم يدور الخبر بعد أن تتم عليه الإضافات والتفسيرات والأمنيات، ليغدو شائعة مكتملة الأركان، يعاد إنتاجها وتعميمها مجددا، لكن على نطاق واسع من خلال أجهزة الإعلام، التي تبدو اليوم عيونها مفتوحة على الحد الاقصى في تعاطيها مع الشئون السورية.

وبطبيعة الحال، يجد الانشغال الداخلي السوري في المستويين الرسمي والشعبي بالشائعات له صدى في المكنة الإعلامية العربية والعالمية التي تتابع المشهد العام السوري وسط بيئة عربية ودولية تتجاوب مع الشائعات السورية، ما يهيئ لإعادة إنتاج الشائعات وتصديرها إلى الداخل السوري.

ومن بين أكثر الشائعات السورية، التي جرى تداولها في الفترة الأخيرة، شائعة تقول إن السلطات السورية، درست حال غير المجنسين من السوريين الاكراد، وأنها قررت منح الجنسية لثلاثين ألفا "وردت تقديرات أخرى عن العدد" في إطار عملية تصفية التوترات التي حدثت على خلفية حوادث القامشلي في مارس/ آذار 2003 وذلك بعد الخطوة الرسمية، التي تم من خلالها إطلاق السجناء والمعتقلين السوريين الأكراد.

والشائعة الثانية، التي جرى تداولها على نطاق واسع، انه سيجري إطلاق سراح معتقلي وسجناء "ربيع دمشق"، وأشير بالتخصيص إلى كل من النائبين رياض سيف ومأمون الحمصي وكلاهما محكوم بالسجن لخمس سنوات، قاربت على النهاية، إذا أعطي كل منهما ربع المدة، وجاءت هذه الإشاعة على خلفية زيارة برلمانية أوروبية تمت حديثا، قيل إن من بين تفاصيل الكلام الذي تبودل في خلالها، ان رئيسة الوفد البرلماني الأوروبي رغبت في رؤية النائبين سيف والحمصي طليقين، وأن ذلك سينعكس إيجابا على العلاقات الأوروبية - السورية ولاسيما على اتفاق الشراكة بينهما والذي تحيط شكوك بتوقيعه.

اما الشائعة الثالثة والأهم، فتقول إن المؤتمر القطري القادم لحزب البعث الحاكم، سيجري إصلاحات كبيرة وجوهرية، تطول مختلف جوانب الحياة السورية، وقد بنيت هذه الشائعة على جملة اعتراضية، قالها الرئيس بشار الأسد في خطابه أمام مجلس الشعب السوري الشهر الماضي، عندما أعلن قرار الانسحاب السوري من لبنان بعد حديث عن العلاقات السورية - اللبنانية.

وعلى رغم أنه من الصعب الجزم تحديد من قام بإطلاق الشائعة الثالثة، فإن الشخصية التي أطلقت الشائعة الأولى، كانت شخصية كبيرة في الجهاز الأمني السوري، التقت شخصيات من قيادة الأحزاب الكردية في سورية، وأخبرتهم، أن مشكلة غير المجنسين ستحل، ويمنح عديمو الجنسية من السوريين الأكراد الجنسية، فقام بعضهم بتسريب الخبر لأوساطه المقربة وللصحافة، فعمت الشائعة الداخل السوري، وفاضت منه إلى الخارج، ومثل ذلك حدث بالنسبة إلى الشائعة الخاصة بإطلاق سراح معتقلي "ربيع دمشق"، والتي عممت أول مرة عبر البريد الإلكتروني من منظمة سورية في الخارج، وتلقفتها بعض الأوساط في الداخل السوري، ثم ضختها في الداخل، وجرى تسريبها إلى الإعلام، فصارت خبرا داخليا وخارجيا في آن واحد.

غير أنه وبخلاف مضمون الشائعتين السابقتين، فإنه لم يتحقق أي تقدم على طريق منح الجنسية للسوريين الأكراد، ولم يطلق سراح أي من معتلقي "ربيع دمشق" بل جرى نفي الشائعة الثانية من أهل المعتقلين والسجناء ومن أوساط حقوقية سورية أيضا. أما ما يتصل بالشائعة الثالثة الخاصة بالمؤتمر القطري فالأمر لا يحتاج إلى نفي الشائعة، لأن المؤتمر القطري ليس من صلاحياته أساسا إجراء إصلاحات، وأقصى ما يمكن القيام به إصدار قرارات وتوجيهات للقيادة القطرية التي سينتخبها، وتاليا للحكومة المعينة للقيام بما يمكن أن يعتبره مؤتمرو البعث "إصلاحات"، على رغم أن ثمة شكوكا سورية واسعة في المستويين السياسي والشعبي بشأن قدرة المؤتمر القادم على التوجه نحو سياسات إصلاحية في ظل حقيقة، أن مؤتمرات الحزب تتبنى في العادة توجهات السلطات، والسلطات السورية تتكلم عن الاصلاح أكثر بكثير من أن تقوم بخطوات عملية وجوهرية فيه.

خلاصة القول، إن السوريين محاطون بالشائعات وغارقون فيها، وهي شائعات تدغدغ رغباتهم وأحلامهم في الخلاص من المشكلات التي يرزحون تحتها وهي مشكلات متعددة ومتداخلة، يقوي علاجها أو تجاوزها قدرتهم في مواجهة ما يفرضه الواقع من تحديات خارجية باتت تشكل تهديدا لمستقبل السوريين وكيانهم. لكن الواقع السوري في ظل الشائعات، يعيدنا إلى عنوان تلك المسرحية الشكسبيرية الشهيرة "أسمع جعجعة ولا أرى طحنا"، وإذا استمر الحال السوري على ما هو عليه في توليد شائعات من دون القيام بخطوات على طريق الإصلاح الجدي، فإن الوضع إلى تفاقم مدمر، لا تنفع فيه الشائعات مهما كانت مشجعة ومهما دغدغت رغبات أوسع قطاعات السوريين

العدد 965 - الأربعاء 27 أبريل 2005م الموافق 18 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً