العدد 965 - الأربعاء 27 أبريل 2005م الموافق 18 ربيع الاول 1426هـ

الانتخابات البلدية السعودية نسخة مكررة مع بعض التعديل!

كلاكيت... ثالث مرة

محمد حسن العرادي comments [at] alwasatnews.com

الآن وبعد أن جفت الأقلام وطويت الصحف وانتهى الفصل الأخير من الانتخابات البلدية السعودية، في مرحلتها الثالثة بالمنطقة الغربية من السعودية "جدة وما حولها" يوم الخميس الموافق 21 ابريل/ نيسان ،2005 بنتائج لا تختلف عن نتائج المرحلتين السابقتين في كل من الرياض والمنطقة الشرقية، أصبح من المتيسر على المراقب أن يتناول المعطيات والحيثيات المتشابهة بل والمتطابقة التي تعطي النتائج ذاتها من دون تغيير يذكر، وهو ما يشبه إلى حد بعيد ذلك الذي يحدث أثناء تصوير لقطات التمثيل السينمائي أو التلفزيوني حين يحتاج المخرج إلى إعادة اللقطة أكثر من مرة حتى ينال المشهد رضاه كاملا. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل جاءت الانتخابات الأخيرة كلاكيت... مرة ثالثة؟

إن الواقع يشير إلى أن نتائج الانتخابات البلدية السعودية كانت محسومة قبل أن تبدأ، وفي كل المراحل تقريبا، وليس ذلك تشكيكا في نزاهة الانتخابات أو الجهات القائمة عليها، لكن الظروف التي أحاطت بها خلقت واقعا سهل مهمة السيطرة عليها وتوجيهها من قبل التيارات الإسلامية التي تمتلك الكثير من التجربة في الأمور التنظيمية، الأمر الذي ضمن لها النتائج من دون الحاجة حتى إلى الدخول في الحملات الانتخابية. وأحسب أن هذه الجماعات استوعبت اللعبة الديمقراطية وفق هذه المعطيات فأدارتها بطريقة لا تختلف من مكان إلى آخر إلا في بعض الرتوش.

لقد كانت اللحظة التي أعلن فيها عن شروط الدخول في الانتخابات البلدية السعودية حاسمة بالنسبة إلى النتائج التي ستتمخض عنها هذه الانتخابات، إذ إن مجرد وضع التسجيل للانتخابات شرطا أساسيا للمشاركة فيها قد حسم الأمر لصالح من يستطيع حشد أكبر عدد من أنصاره ومريديه والدفع بهم للتسجيل الفوري في قوائم الانتخابات التي كان يعرف الجميع أنها ستكون متواضعة جدا. لذلك يسهل القول إن مقاليد الأمور قد سلمت للتيارات الإسلامية بشكل مطلق طواعية.

وهنا لا يجب أن يغيب عن بال أي مراقب متفحص وقارئ لنتائج هذه الانتخابات ما رافقها منذ البداية من تشكيك عطل من الدعوة إلى المشاركة في التسجيل لها، الأمر الذي ساهم في خفض اهتمام وإقبال المواطنين عليها، إذ روج لها على نطاق واسع باعتبارها لا تعدو كونها عملية شكلية تضع القليل من مساحيق التجميل، التي يراد منها التخفيف من الهجوم والانتقاد الذي تتعرض له المملكة خارجيا وداخليا فيما يتعلق بالإصلاح والانفتاح الديمقراطي.

لقد تنامى هذا الشعور ووجد له دعما شديدا من قبل الكثير من المثقفين السعوديين، بل إن بعضا من رموز التيارات الإسلامية قد دفع في هذا الاتجاه بقصد أو من دون قصد، ما أدى إلى انحسار الاهتمام بمشروع الانتخابات البلدية برمته. كما أن الجهات المسئولة عن الترويج للانتخابات أهملت إلى حد كبير التركيز على رفع سقف المشاركة في برامجها وخططها الترويجية، وركزت عوضا عن ذلك على الصورة الخارجية للحملة، ومدى تنظيمها وانضباطيتها وسلامة الإجراءات الفنية المتخذة فيها.

وللتدليل على ذلك نشير إلى أن نسبة الذين يحق لهم الدخول في الانتخابات البلدية لم يتجاوز 25 في المئة من المواطنين، هم كل من تجاوز عمره 20 سنة هجرية من الذكور. وبحسب الإحصاءات الأخيرة التي تقدر سكان السعودية بما يقارب 20 مليون نسمة، فإننا نتحدث عن كتلة انتخابية يتراوح تعدادها بين 4,5 إلى 5 ملايين مواطن يحق له المشاركة في هذه الانتخابات، لكن الشواهد تشير إلى أن من شارك فيها، في كل المجالس البلدية وعددها 179 مجلسا لا يتجاوز 750 ألف ناخب، وهو رقم يشكل ما لا يزيد على 15 في المئة من نسبة من يحق لهم المشاركة كما أسلفنا. فإذا عدنا إلى مقارنة ذلك بسكان المملكة إجمالا فسنجد أن هذه النسبة تتدنى إلى 3,75 في المئة فقط، ومن دون شك فإن ذلك يسهل من عملية التعاطي مع الانتخابات من قبل الجهات الجيدة التنظيم والتي تمتلك أجندة واضحة ترغب وتستطيع من خلالها السيطرة على نتائج الانتخابات.

لقد وجدت هذه الجماعات المنظمة ضالتها في القوانين التي وضعت لتسيير العملية الانتخابية، فعمدت إلى وضع تقديرات أولية للأرقام التي تتوقع إقبالها على التسجيل للانتخابات في المناطق التي ترغب بالسيطرة عليها، ثم راحت بهدوء وفي غفلة من الآخرين تدفع عناصرها والمحسوبين عليها للتسجيل كناخبين من دون إثارة أي نوع من الصخب الإعلامي أو النقاشات غير المجدية، حتى إذا اكتمل عقد الانتخابات، وأغلقت أبواب التسجيل بادرت هذه الجماعات إلى استخدام وتوظيف التكنولوجيا لصالح مخططها بشكل واضح ومتقن.

وللحقيقة والإنصاف فإن من المهم القول إن الأسلوب الذي أديرت به الانتخابات البلدية السعودية من قبل الجماعات الإسلامية التي سجلت نصرا كاسحا على التيارات الأخرى كافة، بما في ذلك الليبراليين ورجال الأعمال والمستقلين وحتى القبائل والعشائر، يجبر الجميع على الاعتراف لها بحسن التنظيم والقدرة المتميزة على استخدام كل الظروف لإنجاح توجهاتها وبرامجها. بمعنى آخر: هذه الجماعات عرفت شروط اللعبة ودرستها دراسة وافية، ثم أتقنت التعامل معها بامتياز.

إنني أعتقد أن هذا الفوز الذي حققه التيار الإسلامي هو فوز مستحق بجدارة، ويجب على الجميع القبول بالنتائج والبحث عن وسائل تنافسية أخرى في المرات المقبلة، بعيدا عن التشكيك في النتائج والطعن في الفائزين. وسواء اتفق المرء مع توجهاتهم أو اختلف معهم فإنه لا يملك إلا القول إن تلك إرادة الناخبين وفق الشروط التي جرت فيها العملية الانتخابية، مع حق الجميع في تسجيل الكثير من التحفظات على هذه الإجراءات والملابسات التي رافقتها بما في ذلك عدم الشفافية في عملية الفرز وعدم وجود مراقبين دوليين، ما يعني المطالبة بتحسين ذلك وتعديله في الانتخابات المقبلة.

ولعل من المفيد أن نسجل أهم العوامل التي ساهمت في حسم نتائج الانتخابات البلدية فور إغلاق باب التسجيل للانتخابات وإعلان قوائم الناخبين قبل أن تبدأ وهي كالآتي: شرط التسجيل المسبق للمشاركة في الانتخابات. قصر الفترة المتاحة للتسجيل للانتخابات. تدني التسجيل للمشاركة في الانتخابات البلدية بسبب قلة الوعي واللامبالاة. ضعف الحملات الدعائية والترويجية وقلة اللقاءات التوعوية المباشرة مع المواطنين. التركيز على المسائل الفنية والإجرائية من قبل الجهات المشرفة على الانتخابات وترك ماعداها بشكل ملفت للنظر. التخبط في فهم قانون الانتخابات واختلاف مستويات تطبيقه من قبل اللجان المشرفة. قلة المعلومات لدى الإعلاميين السعوديين وعدم وجود أية خبرات سابقة لديهم، وعدم وجود برامج تدريب وإعداد لهم قبل الانتخابات، لكي يساهموا في برامج التوعية. حجب التعامل مع الأجهزة الإعلامية الواسعة الانتشار وتحديدا المحطات والقنوات الفضائية للترويج للمرشحين، وعدم إعداد وتنفيذ برامج توعوية كافية ومبكرة. وضع الكثير من القيود الصارمة على المرشحين وخصوصا في المجال الإعلامي، الأمر الذي حرمهم من الوصول إلى الناخبين. منع المرشحين من الإعلان عن ترشحهم أو عزمهم على الترشح قبل انتهاء فترة التسجيل، ما أدى إلى حصر تحركاتهم تحت طائلة المسئولية والملاحقة القانونية. ازدواجية التعامل مع الدوائر الانتخابية، من خلال اعتبار كل مجلس بلدي دائرة واحدة في التصويت، وفي الوقت ذاته توزيع المجلس إلى عدد من الدوائر أثناء عملية الفرز، الأمر الذي سهل من مهمة الجماعات المنسجمة في الفكر والرؤية، لأنه أتاح لهم التوزع في أكثر من دائرة ترشيحا وضمان الأصوات من كل مكان، وبالتالي الفوز بالمقعد حتى في حال عدم وجود مؤيدين لهم في الدائرة المترشحين عنها. تداخل المصالح بين المناط بهم تنفيذ القانون وبعض المترشحين. القدرة على حشد أعداد حاسمة للفوز من خلال التسجيل المبكر، وعدم الحاجة إلى إنفاق الأموال في الحملات الدعائية. التغاضي عن بعض الإجراءات الخاصة بتنظيم عملية التحالفات في الانتخابات وتدخل بعض علماء الدين بشكل مباشر في ترجيح كفة مترشحين معينين. إصدار التعليمات الشفوية بالمنع أو السماح من قبل بعض المشرفين على الانتخابات بحسب ما يناسبهم، وما شكله ذلك من إرباك للحملات الانتخابية. استغلال وتوظيف أماكن العبادة والجمعيات والتجمعات الدينية والاجتماعية في الانتخابات لصالح أشخاص بعينهم.

لكن المرء لا يملك إزاء كل ما حدث إلا أن يسجل تفاؤله بتدشين عهد الإصلاح والانفتاح السياسي في المملكة العربية السعودية من بوابة الانتخابات البلدية، فعلى رغم وجاهة كل التحفظات التي سقناها في هذا المقال أو التي يحملها الكثير ممن عايش التجربة عن قرب فقد شكلت الانتخابات البلدية نقلة نوعية في الاحتكام إلى صناديق الاقتراع. وأحسب أن من المهم أن يقر المرء بأن كثيرا من القلق والهواجس قد رافق المشرفين على الانتخابات وخصوصا أنها تجري في أجواء مشحونة بالتوتر الذي وصل إلى حد المواجهات العسكرية الدموية في بعض الأحيان.

لقد سجل السعوديون وجودهم على خريطة التوجهات الديمقراطية لأول مرة، ومهما بدا هذا التسجيل والحضور ضعيفا، إلا أنه بارقة أمل مشجعة تنبئ بإمكان التوسع في الممارسة الديمقراطية، وتؤكد جدية التوجهات الرسمية في هذا المضمار، ومن دون شك فإن الخطوات التي اتخذتها الحكومة السعودية بتطوير عمل مجلس الشورى الذي ابتدأ بثلاثين عضوا، فإذا به يصل إلى 150 عضوا، يتمتع معظمهم بالخبرة والدراية والتجربة وحصافة الرأي هي خطوات إيجابية تؤكد صدق النوايا في الانفتاح والإصلاح.

وفي هذا المجال لابد من الإشارة إلى أن الحديث عن إمكان الدعوة إلى انتخابات مباشرة لمجلس الشورى بشكل كلي أو جزئي، هي من الأمور التي يجري الحديث بشأنها علنا اليوم في مختلف مراكز القرار الرسمي والأهلي في المملكة، وهي خطوة إن نجحت السعودية في تجاوزها سريعا، فستشكل تحولا كبيرا ليس على الصعيد الداخلي فحسب، بل وعلى صعيد محيطها الخليجي والعربي أيضا.

خطوة أخرى يتوقع أن تكون محل نقاش وتبادل رأي لدى القيادة السعودية والمهتمين والمشتغلين بالشأن العام في هذه الأيام، تتركز على النصف المعين في المجالس البلدية، إذ يتوقع كثيرون أن تعمد السلطات السعودية إلى خلق التوازن داخل هذه المجالس، وخصوصا في مجالس المدن الكبرى بحيث تضم بعض ممثلي الفئات والتيارات التي لم يحالفها الحظ للفوز بعضوية أي من هذه المجالس. وتبقى تلك هي النافذة الوحيدة التي يمكن أن تدخل منها المرأة السعودية إلى المجالس البلدية.

هل يمكن أن يتحقق الحلم؟ كل ذلك معقود بيد المخرج المكلف رسميا والذي يستطيع وحده أن يأمر بإعادة تصوير المشهد مرة أخرى... وقد يدخل ممثلون جدد إلى الكادر... ثم يعلو صوته مناديا... كلاكيت مرة أخرى!

* كاتب بحريني

إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"

العدد 965 - الأربعاء 27 أبريل 2005م الموافق 18 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً