العدد 965 - الأربعاء 27 أبريل 2005م الموافق 18 ربيع الاول 1426هـ

الديمقراطية والاحتلال "4"

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل يكفي وصف ما يجري في العراق بأنه نتيجة مؤامرات ومخططات أميركية، أم هو نتاج واقع منقسم "صورة العمران بحسب مصطلحات ابن خلدون" أسهم الاستبداد في تغطيته؟ المؤامرات موجودة، والمخططات "تقسيم العراق تمهيدا لتفكيك المنطقة" موضوعة منذ زمن كسيناريوهات قيد الدرس تنتظر الظروف لتنفيذها. إلا ان المسألة ابعد من ذلك.

ما هو أخطر من المؤامرات الأجنبية هو وجود تكتلات سياسية قابلة أو جاهزة للقبول نفسيا بتلك المشروعات السياسية. هناك اتجاهات ممانعة ولكنها أيضا مستعدة أو انها على الأقل لا تعارض مثل هذه الاحتمالات في حال أصبحت واردة كمخرج من مخارج الحلول المطروحة أو المفروضة بالقوة.

المسألة اذا تتعدى المخططات الأميركية لتصل إلى الاجتماع البشري "العمران" والتكوين السياسي لمنظومة العلاقات التي تقسم المناطق والوظائف وتوزع الحصص بحسب نسب الطوائف والمذاهب. فالتكوين التاريخي للجماعات الأهلية يخضع حتى الآن للمنظور الطائفي - المذهبي أحيانا أو المناطقي - العشائري "الأقوامي" أحيانا أخرى. وهذا التركيب غير المستقر بحسب وصف الباحث الاجتماعي علي الوردي لتاريخ العراق يمثل تربة خصبة لأية قوة خارجية "دولية" تريد التلاعب بالتوازنات الداخلية. وهذا ما حصل وما نشهده في العراق منذ فترة طويلة.

العراق دولة مركبة من اجزاء رسمت خريطته في العام 1920 في ظل الاحتلال البريطاني، وبالتالي فإن مؤسساته الحالية حديثة العهد، وتعرضت خلال عقود - وتحديدا منذ نهاية الخمسينات - لسلسلة انقلابات عسكرية اطاحت بالكثير من المنظومات الاجتماعية، وأعادت تركيب هيئات حزبية "حكومات ايديولوجية" مفروضة بالقوة وعن طريق استخدام وسائل الارهاب وأدوات القهر والتسلط. فالعراق يمر منذ قرابة 40 سنة في حالات توتر أهلية حفرت خنادق ايديولوجية تميزت بالتفرقة العنصرية والطائفية بين أهل المجتمع تغطية لهيمنة النظام الأسري - العشائري.

هكذا دولة عانت من تاريخ طويل من الاستبداد من الصعب التوقع منها ان تنهض فيها وبسرعة قياسية مناخات غير متوترة ومتشنجة أو مشحونة بما يرفده المجتمع للبرلمان المنتخب من علاقات طوائف ومذاهب ومناطق وعشائر وعقليات ضيقة في تفكيرها ورؤيتها لمستقبل الدولة.

الديمقراطية في النهاية لا تفرض بالقوة، ولا يمكن ان تقوم بناها "مؤسساتها" بواسطة الدبابات الأميركية وإلا تحولت إلى نوع من "الفوضى البناءة" القائمة على سياسة التلاعب بمعادلة الاكثرية والاقلية "الطائفية والمذهبية". والتوافق أيضا لا يفرض بالقوة اذا لم تتوافر لنجاحه عقلية "تسووية" تقرأ التاريخ بمفهوم معاصر لا يفرط اتصال المؤسسات المنتخبة بالهيئات المتوارثة.

المسألة في التحليل النظري لها صلة بالتطور الاجتماعي - السياسي، والذهنية الجمعية القادرة على اختيار مؤسسات مشتركة تعيد توحيد ما فرقه الاستبداد والاحتلال وديمقراطية "الفوضى البناءة". وهذه المسألة - ومن خلال الحكم على ظواهر الاشياء - غير متوافرة موضوعيا حتى الآن في العراق، وكذلك في الكثير من الدول العربية المجاورة لبلاد الرافدين.

هذا الواقع غير المتجانس اجتماعيا وتاريخيا كانت الولايات المتحدة على علم به قبل الحرب وبعد الاحتلال. فواشنطن تدرك تماما ان دولة العراق ستتحطم في صورتها السابقة بعد الحرب. وكانت تعلم أيضا ان دولة صدام مجرد هيئة مصطنعة، وان "صورة العمران" ستتلاشى أو تتقوض بسبب ضعف رقعتها الاجتماعية، وهزال بناها الدستورية، وعدم تمثيلها السياسي الصحيح للمجتمع وتوازناته.

الولايات المتحدة على علم بأن الاحتلال يعني تقويض الدولة، وكانت تدرك "مهما ادعت من جهل وتجاهل" ان الحرب تعادل أو تساوي نهاية الدولة "لا صدام فقط" في مرحلة من مراحلها... وبالتالي فهي جهزت بدائل سياسية ترتفع على مساحات جغرافية اقل من تلك الرقع المتعارف عليها منذ العام .1920

نعود إلى السؤال: أين يتجه العراق بين الديمقراطية والاحتلال؟ الجواب يختزل الكثير من التوقعات المتعلقة بإعادة هيكلة المنطقة بعد تفكيك الدولة إلى كانتونات "وحدات" مناطقية - طائفية ومذهبية تجمعها قبة برلمان موحد يقوم على لامركزية سياسية.

هذا الاحتمال هو بالضبط ما أرادته أميركا من حربها على العراق، وغير ذلك مجرد شعارات تكتب بالحبر على الورق

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 965 - الأربعاء 27 أبريل 2005م الموافق 18 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً