حققت المصارف الاسلامية وما يماثلها من المؤسسات المالية الاسلامية معدلات نمو مميزة خلال السنوات الماضية من حيث رأس المال واجمالي الودائع والاصول، ويتداول أنها حققت نموا في الاصول بمعدل 15 في المئة في السنة. وتوجد حاليا اكثر من 200 مؤسسة مالية اسلامية في انحاء العالم. ويقدر ان الاموال المتوافرة للاستثمار في السوق الاسلامية هي ما بين مئتين و300 مليار دولار اميركي.
ان جاذبية الصيرفة الاسلامية لا تكمن في ما يمكن ان تحقق من نمو وارباح فقط ولكن، وهو الاهم، تكمن في ما لديها من اساسات دينية وخلقية. ان المبادئ الجوهرية التي توجه عمليات هذه المؤسسات المالية هي ان النقود لا يمكن معاملتها كالسلع، وهي بدلا من ذلك يجب ان تستخدم بشكل منتج مع المشاركة بالمخاطر والعوائد بين العميل والمؤسسة المالية، نتيجة لذلك فإن المصارف الاسلامية تسهم في توزيع الدخل والثروة بعدالة اكبر في المجتمعات والاقتصاديات التي تعمل فيها وتسهم بزيادة المشاركة العادلة بهذه الاقتصاديات.
غير أن بعض المراقبين يعتقدون أن الشوط الذي يجب أن تقطعه المصارف الإسلامية للتجسير بين الهوة الواقعة بين أساساتها الاخلاقية والدينية من جهة وواقعها المعاش حاليا من جهة اخرى لايزال طويلا. فهناك احتياجات عدة للسوق المصرفية الاسلامية التي لاتزال بحاجة للوفاء بها ما يزيد من التحديات التي تواجه هذه السوق. ان المصارف الاسلامية لا توجد امامها معضلة في الحصول على التمويل، الا ان القلق الذي يساورها بشأن التمويل هو ذو اتجاهين: اولهما، ان المصارف الاسلامية وغيرها من المؤسسات المالية الاسلامية لديها اموال اكثر مما يمكن استثماره اسلاميا نتيجة لمحدودية فرص الاستثمارات الاسلامية، وثانيهما، ان الودائع التي تحصل عليها المصارف الاسلامية غالبا ما تكون قصيرة الأجل، وبالتالي فإن التحديات الرئيسية شأنها شأن الفرص المتاحة للمصارف الاسلامية، تتمثل في ادارة ما لديها من سيولة.
ان الحاجة الى حوار بين المصارف الاسلامية وعملائها تسلط الضوء على مزيد من التحدي المتمثل بعدم وجود فهم دقيق للصيرفة الاسلامية. والتحدي الذي يواجه الممارسين للصيرفة الاسلامية هو في تنوير عملائهم بالطبيعة الحقة لمنتجاتهم وأدائهم. هناك حاجة إلى وجود برامج، لاطلاع العملاء المحتملين سواء مسلمين او غير مسلمين، على المنتجات والخدمات التي توفرها المؤسسات المالية الاسلامية للاستحواذ على قبول عالمي، وستكون حصيلة هذه البرامج عبارة عن بلورة لمنتجات وخدمات جديدة تفي باحتياجات العملاء المحتملين وبالمتطلبات القانونية للسلطات، كما ان تطوير هذه البرامج والمنتجات يمثل فرصة للمصارف الإسلامية للقيام بدور ريادي في المساعدة بعملية دمج الاعراف المصرفية الإسلامية في الاسواق المالية العالمية.
مع ذلك، تواجه المصارف الاسلامية تحديا آخر يتمثل في المنافسة المتزايدة من المصارف التجارية التقليدية في توفير المنتجات والخدمات المصرفية الاسلامية. ففي العالم العربي هناك اسماء محلية وعالمية مشهورة التي اعلنت حديثا تأسيس مؤسسات مصرفية اسلامية تابعة يمتلكها بالكامل. في الوقت ذاته، يثبت لنا هذا التحدي ان المنتجات المصرفية الاسلامية تستحوذ على اهتمام عملاء المصارف وانها ذات ربحية لها. وعلى رغم ازدياد التنافس الذي يواجه المؤسسات المالية الاسلامية من الخدمات الاسلامية التي تعرضها المصارف التقليدية والتنافس الذي يتم بين تلك المؤسسات ذاتها فإن هناك فرصا كثيرة للتعاون كما هي للمنافسة. ومن الامثلة على ذلك السوق المالية بين المصارف الاسلامية.
ان المصارف الاسلامية بحاجة إلى دعم قدراتها للاستجابة لعوامل المنافسة والتحديات الاخرى التي تواجهها وللحفاظ على قوة الدفع التي حققتها خلال السنوات الثلاثين الماضية. ان العناصر الاساسية لهذه المصارف هي الموارد المالية المتعززة وتطوير الموارد البشرية المؤهلة والمتخصصة واستخدام التقنية بشكل سليم.
علاوة على ذلك، فلقد باتت اقتصادات مطالبة بانجاز مهمات محددة تتمثل في تنويع مصادر الدخل وجذب الاستثمارات المباشرة وتوفير فرص العمل للمواطنين. وهنا يبرز دور المصارف الإسلامية في تشجيع قيام المشروعات والصناديق الاستثمارية القائمة على حقوق الملكية الخاصة والموجهة لخدمة هذه الأهداف، أي أن تدخل بشكل مباشر - بمساعدة نخبة من المستثمرين وأصحاب الثروات الخاصة - في الترويج لمشروعات اقتصادية وتنموية في المنقطة بدلا من التركيز على إنشاء صناديق موجهة للاستثمار في الخارج وإن كانت هذه الصناديق تلبي المعايير الإسلامية.
وأخيرا، فإن المصارف الإسلامية، حالها حال المصارف العربية التقليدية، تقف اليوم في مواجهة تحديات معايير بازل "2" على صعيد تقوية مواردها الرأسمالية واتباع مزيد من الشفافية والإلتزام بالقواعد والمعايير المصرفية العالمية، علاوة على تنوع المخاطر في بيئة العمل، وإدخال الوسائل التكنولوجية الحديثة وتصاعد المنافسة بفعل تحرير الأسواق، والتعامل مع جميع ذلك في إطار مبادئ العمل المصرفي الإسلامي وهي موضوعات نعد بالعودة للحديث عنها بصورة أكثر تفصيلية في المقالات القادمة إن شاء الله
إقرأ أيضا لـ "علياء علي"العدد 964 - الثلثاء 26 أبريل 2005م الموافق 17 ربيع الاول 1426هـ