لماذا يحصل ما يحصل في العراق من دمار وفوضى على رغم مرور أكثر من سنتين على سقوط نظام صدام؟ الاجابة لها صلة بسؤال آخر. من المستفيد من الفوضى الأمنية وعدم الاستقرار السياسي؟ ومن المستفيد من عدم اتفاق الأطراف في المجلس التشريعي المنتخب على صيغة حكم توحد المصير والأهداف وتحدد هوية الدولة؟
المستفيد طبعا ليس العراق ولا دول الجوار العربية والمسلمة. فهذه الفوضى المقصودة أحيانا وهي ما تطلق عليها واشنطن تسمية "الفوضى البناءة" تخدم مصالح الولايات المتحدة على الأمد الطويل حتى لو دفعت بعض الخسائر البشرية على الأمد القصير.
مثل هذا الجواب يستدعي ذاك السؤال الممل. ما أهداف الولايات المتحدة الحقيقية من وراء الاحتلال؟ نشر الديمقراطية مثلا، الدفاع عن حقوق الإنسان، محاربة الاستبداد، أو مكافحة الارهاب والفساد... أم توجد إلى جانب هذه الأهداف المعلنة "لتبرير الحرب والعدوان والاحتلال" مجموعة غايات غير معلنة رسميا، من نوع زعزعة استقرار المنطقة من خلال تعميم نظريات "الفوضى البناءة" و"الحروب الدائمة" و"الضربات الوقائية".
البحث عن الحقيقة يساعد على قراءة مختلفة لتلك الوعود والشعارات التي تطلقها الإدارة الأميركية لتضليل الرأي العام وشراء سكوت شعوب المنطقة التي تعاني الذل والمهانة من أنظمة مستبدة.
القراءة الثانية تكشف عن وجود مخططات غير معلنة تستفيد من حاجة شعوب المنطقة للتغيير لتمرير مشروعات لا تخدم في النهاية تطلعات أبناء الأمة نحو التنمية والعدالة والحرية. أميركا مثلا تطمح إلى نشر قواعد عسكرية في دائرة جغرافية - استراتيجية تضمن مصالحها الأمنية والاقتصادية "النفطية" على الأمد الطويل. وهي أيضا تريد من خلال سياسات التقويض "الفوضى البناءة" ضمان أمن "إسرائيل" وتأمين تفوقها العسكري النوعي على مجموع الدول العربية وحتى الإسلامية "إيران وباكستان". وهي ايضا تطمح نحو احتكار الاسواق العربية و"الشرق الأوسطية" وجذب رؤوس الاموال "تقدر الثروة النقدية العربية بـ 1400 مليار دولار" إلى السوق الأميركية تمهيدا لتحديد مجالات توظيفها واستثمارها في حقول تلبي حاجات الولايات المتحدة وتحرم الشعوب العربية من فوائدها. فإدارة بوش مثلا تحدثت كثيرا عن مشروعات وهمية لاصلاح المنطقة وتنميتها ولكنها تجاهلت موضوع الثروة النقدية المودعة في المصارف الأوروبية والأميركية ومن دونها يبقى الحديث عن الاصلاح والتنمية مجرد "حبر على ورق".
هناك الكثير من النقاط يمكن التطرق اليها لكشف الجانب الآخر "المسكوت عنه" لتبرير حروب بوش وإدارته المتطرفة ضد المنطقة العربية - الإسلامية. حتى لو اعتمدنا حسن النية، وصدقت المنطقة أن أميركا فعلا تغيرت وأنها تريد الخير للعرب وهي مخلصة في أهدافها وغاياتها نبيلة، وهي فعلا تريد دفع المنطقة بقوة السلاح للدخول مكرهة في عصر الإصلاح والديمقراطية، يبقى أن نطرح السؤال: ماذا حققت واشنطن من احتلال العراق، وماذا حقق العراق من الاحتلال الأميركي؟
الحساب العام حتى الآن تميل كفته لمصلحة الولايات المتحدة. العراق استبدل الاستبداد بالفوضى "الديمقراطية". ففي كل شهر يسقط اكثر من ألف قتيل. وهناك أخبار تشير الى أن أرقام الضحايا تفوق المعلن. وبعض المعلومات وهي غير رسمية ومؤكدة، تقول ان العراق خسر منذ بداية الحرب أكثر من ربع مليون قتيل.
هذه الارقام تتعلق بالضحايا وهي في ارتفاع مستمر يوميا، مقابل ماذا؟ حتى الآن لم تنجح المؤسسات المنهارة في إعادة بناء هيئاتها، والوزارات فشلت في وقف الفساد وتهريب المال العام، كذلك لم تنجح في إعادة تنظيم دوائر الدولة لاسباب كثيرة منها ما يتعلق بالمنافسات الحزبية "الطائفية والمذهبية والعشائرية" ومنها ما يتصل بالدور الخفي الذي تقوم به الأجهزة الأميركية "مستشارون وخبراء" وتدخلاتها المباشرة والمداورة في تحريض فرقاء الصراع وتأليبهم ضد بعضهم بعضا واغراق اطراف المجتمع بالوعود المتناقضة لدفعها نحو التنابذ وعدم التفاهم. وهناك اتهامات تشير إلى تشجيع الاحتلال لتلك الأعمال الاجرامية ضد المدنيين لزرع الفرقة بين المذاهب والطوائف "الفوضى البناءة" لمنع التقاء أطياف المجتمع على موقف موحد يؤدي إلى الاستغناء لاحقا عن القوات الاميركية
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 964 - الثلثاء 26 أبريل 2005م الموافق 17 ربيع الاول 1426هـ