لكي نفهم رسول الله "ص" يجب أن نقرأه بطريقة صحيحة. قراءة انسانية، قراءة عالمية، قراءة اقتصادية وقراءة روحية أيضا واهمها قراءة الأفق. لا اريد أن ألوي عنق التاريخ أو أن اضع مسدس القلم في رأس الروايات لاسقطها على الواقع بطريقة مجتزأة، لكن دعونا نفهم الرسول "ص" والرسالة خارج إطار الثوب والسواك والوجه الحسن. للرسالة ابعاد اممية وآفاق اخرى. سؤال مهم: هل الرسول "ص" يريد خلق شعوب فقيرة أم غنية؟ هو يقول: "إن تذر ورثتك اغنياء - طبعا بالحلال - خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس"، وعلى رغم ذلك يوجد في العالم اليوم 840 مليون نسمة يعانون الفقر و2 مليار يعانون من سوء التغذية. إذا الفقر ينتج شعوبا هزيلة ويضع اجيالا ضعيفة جسمانيا وذهنيا. فلنقرأ القرآن بتفسير اقتصادي "ووجدك عائلا فأغنى" "الضحى: 8". فلسفة الاسلام أن الفقر يجلب الكفر ولو كان رجلا لوجب حرقه لذلك قال الرسول "ص": "نعم العون على تقوى الله المال".
يقول المفكر الغربي وول ديورانت: "وكان الرسول "ص" يسمح للعبيد أن يتزوجوا وأن يتعلم ابناؤهم اذا أظهروا قدرا كافيا من النباهة... لقد اصبح من العبيد في يوم من الأيام ملوك وامراء امثال محمود الغزنوي والمماليك في مصر". الرسول حارب العنصرية حارب الشوفينية "التعصب العرقي" فكان من اصحابه من الروم وفارس... ولنسأل أنفسنا: لماذا قال الرسول: "سلمان منا أهل البيت"، وسماه بسلمان المحمدي؟ دعوات مانديلا ولوثر والمصلحون ليست جديدة، لكن للأسف المسلمون احتكروا الجنة وحرم بعضهم بعضا منها وكل واحد يريد أن يسجلها في السجل العقاري باسمه على رغم أن الله يقول "وجنة عرضها السماوات والأرض" "آل عمران: 133". إذا، أليس صحيحا كلام شكيب ارسلان: "ويل لأمة كثرت فيها الطوائف وقل فيها الدين"، وكما قال الشاعر:
ومشت تقسمنا يد مسمومة
متسنن هذا وذا متشيع
كمسلمين لا نعي البراغماتية ولا الميكافيلية... الدولة الصفوية خربت العلاقة بين المسلمين لمصالح الرئاسة والحكم وكذلك هي الدولة العثمانية، وفي كلا الموقعين فتحت دكاكين ثقافية اعتاش عليها المطبلون. هؤلاء هم من خربوا الثقافة وسمموا العلاقات فأنجبوا الذل، تماما كما قال الجواهري:
لم يعرفوا لون السماء لفرط ما انحنت الرقاب
ولفرط ما ديست رؤوسهم كما ديس التراب
تسييس الحب يولد لنا العفريت الذي يأكل البيت بأكمله. في التسامح ماذا قال الرسول "ص": "غريبتان فاحتملوهما كلمة خير من سفيه فاقبلوها وكلمة سفه من حكيم فاغفروها". احيانا تكون للرجل الحكيم سقطة يجب أن نغفرها وقد تكون للسفيه حكمة فلماذا لا نأخذ بها؟
حتى العدو بإمكانك أن تستفيد منه فضلا عن الصديق، وفضلا عمن يعتنق الديانات.
دعونا من ذلك. الآن في الغرب تكنولوجيا وثروة معلوماتية وكفاءة في الصناعة. لماذا لا نستفيد منها؟ سؤال مهم: لماذا الرسول "ص" يقول: اطلبوا العلم ولو في الصين على رغم أن الصين ليست مسلمة. نحن نستطيع أن نستفيد من الصين، كقوة عالمية صاعدة فيما يتناسب مع قيمنا وديننا، علما أن الاجهزة المتطورة من طائرات وصواريخ لا تسألك عن معتقدك بل عن كفاءتك. حتى في علم النفس فلنقرأ سيرة الرسول "ص" قراءة سيكولوجية. استوقفني موقف الرسول في تعاطيه مع الاطفال، جاءت امرأة إلى الرسول مع طفلها. أخذ الرسول "ص" الطفل ووضعه في حضنه وبطريقة لا ارادية - كما هم الاطفال - بال الطفل فاتسخ ثوب رسول الله "ص"، ارادت الام ضرب الطفل فمنعها الرسول قائلا: هذا الثوب بالإمكان تطهيره، ولكن من يزيل جرح الطفل من قلبه إن انت نهرته؟ لو رجعنا إلى كتاب "التحليل النفسي للأطفال" لكلاين أو سيكولوجية الطفل للجسماني أو كتاب "تأهيل الطفل" فسنجدهم يركزون على أهمية التعاطي مع الاطفال. لا أؤمن بكلام طه حسين أن الدين خصيم العلم. واغنر يقول: "دعوة محمد إلى طلب العلم ولو في الصين بينت لي شدة الأواصر الوثيقة بين الاسلام والعلم". لنسأل انفسنا: ما الارتباط بين القراءة والكرامة في قول الله "اقرأ وربك الأكرم" "العلق:3" النتيجة أن الشعوب الأكثر قراءة هي اكثر الناس كرامة.
السؤال الاقتصادي: لماذا فرض الله الزكاة والخمس وكل الضرائب الشرعية على اموال الاغنياء؟ يقول وول ديورانت: "ليس كمثله مصلح فرض على الاغنياء الضرائب لاعانة الفقراء". غوستاف لوبون صاحب كتاب "سيكولوجية الجماهير" له اقوال كبيرة في الرسول والاسلام ويرى فيه مصلحا وأن "الدين يرمي إلى الصلاح والاصلاح". لا اريد أن اسكن في الماضي وعلى امجاد الماضي، لكن السؤال: لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟ يقول مان: "للمسلمين اثر على بناء الكنائس الفرنسية مثل كنيسة مدينة ماغلون". وفياردو يقول: "إن مهندسين معماريين من العرب استخدموا في انشاء كنيسة نوتردام في باريس فأدخلوا فيها الألوان والنقش والزخرفة".
السؤال: أين هم هؤلاء؟ أين الخوارزمي؟ أين ابن النفيس؟ أين ابن خلدون؟ اين ابن رشد؟ لماذا العقل العربي والشاب العربي يموتان في السجون العربية تحت التعذيب ويصبح بروفسورا ذريا في الجامعات الغربية؟ لأن جامعاتنا تقوم على الواسطة. وبإمكان أي رجل مخابرات متخلف أن يبصق في وجه أي مفكر عربي عند أية نقطة حدود، 5 قرون ونحن اساتذة في كل شيء، كما يقول ديورانت، ثم اصبحنا نصدر خلافاتنا في بعض قنواتنا ورحنا نصدر ثقافة التكفير بدلا من تصدير التفكير. اشتغل الغرب واليابان وبعض دول شرق آسيا والصين بصناعة التفكير ونحن هنا اشتغلنا بالتكفير. أصبح خطابنا يركز ولا يستثار الا في الجزء السفلي من الانسان أما الجزء العلوي وخصوصا العقل فهو في غيبوبة.
اليهود شددوا فشدد الله عليهم. نعاني من عقدة بقرة افلاطون عندما يلمس واحد حافرها وآخر قرنها والنتيجة لا احد يعرف بوجود حيوان... بقرة افلاطون في السياسة والاقتصاد. الاديب اللبناني أمين نخلة قال في الرسول "ص": "نتطلع اليك من شبابيك البيعة فعيوننا في الانجيل وقلوبنا في القرآن". الأديب بولس سلامة يقول: "إنني وانا المسيحي انحني أمام عظمة رجل يهتف باسمه مئات الملايين من الناس في مشارق الأرض ومغاربها خمس مرات كل يوم". حياة الرسول "ص" فرضت احترامها حتى على بعض المفكرين والمستشرقين الغربيين. انظر مثالا هذه الكتب: "الابطال" لتوماس و"حياة محمد" لبودلي و"الاسلام" لهنري ماسيه و"التمدن الاسلامي" لغوستاف لوبون و"سيرة النبي وتاريخ الاسلام" لوليم موير و"عهد الاسلام" لهنري لامنس. لك الحب أيها الرسول العظيم ولو نظمنا من نبضات قلوبنا عقدا لك ما وفيناك حقك
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 963 - الإثنين 25 أبريل 2005م الموافق 16 ربيع الاول 1426هـ