كما سبق أن ذكرت حرصت خلال قراءتي للكتاب أن أكون انتقائيا بعض الشيء، فوقع اختياري على موضوعين مما تناوله الكتاب، الأول هو: العمل المصرفي الإسلامي وأساليب ممارسته، أما الثاني فهو: أساليب ممارسة السلطة في الشركات والديمقراطية. سبب توقفي عند الموضوع الآخر في كتاب صالح حسين والذي هو: أساليب إدارة الشركات والديمقراطية هو موضوع لم يطرقه أحد من قبله، وإن طرقه فليس بهذا المستوى من الوضوح والربط. وأكثر ما يشد القارئ هنا هو جدول المقارنة الذي أورده الكاتب، فقراءة متأنية لمحتويات ذلك الجدول "يرجى العودة للجدول المنشور في هذا المقال" ترسم صورة شفافة للعلاقة بين المؤسسات أو بالأحرى الشركات والديمقراطية من جهة ومدى التجاوزات غير الديمقراطية التي تمارس في الشركات من جهة ثانية. وفوق هذا وذاك هناك لفتة إلى أن من يطالبون بتطبيق الديمقراطية لا يمارسونها عندما تعطى لهم بدليل أن أعضاء الجمعية العمومية ومن بينهم نواب في المجلس النيابي يتغيبون عن حضور جلسات الجمعية العمومية في شركاتهم على رغم أنها الهيئة الموازية للشعب أو البرلمان في الحياة العامة. وهي إشارة من الكاتب لتخلف الوعي الديمقراطي في صفوفنا. ولعل هذا يفسر حرص الكاتب على أن يستهل هذا الفصل بالعودة إلى الأبجديات مثل تعريف الديمقراطية. وكذلك نظرة البعض التي ترى في "الأنظمة الجديدة في طرق إدارة الشركات نوعا من الترف الذي يتطلب زيادة في الكلفة التشغيلية وتحــول الإدارة من جهة منوط بها إدارة الشركة إلى جهة تعنى فقط بالتقيد باللوائح والأنظمة تاركة مسئوليتها الرئيسية والأساسية في إيجاد الأنشطة والأعمال للشركة وملاكها، أي بمعنى ترك البحث عن الأعمال والأنشطة الجديدة التي تزيد ربحية الشركة وتحقيق أهداف ملاكها جانبا والتركيز على الأمور التي تحقق أهداف ومتطلبات الجهات الرقابية فقط". ويوضح المؤلف هنا بشكل ملموس "العلاقة بين أساليب إدارة السلطة في الشركات والديمقراطية"، وأكد انه من أجل نجاح ممارسة الديمقراطية رهن "بتعاون جميع الأطراف والسلطات المختصة للعب الدور المناط بكل طرف ومراعاة متطلبات الأطراف الأخرى". والمنطق ذاته - بحسب رأي المؤلف - "ينطبق على إدارة الشركات، فحتى تكون الشركات ناجحة يلزم أولا تضافر جهود جميع الأطراف ذات العلاقة بالشركة نحو تحقيق أهدافها واستراتيجياتها، وإن تقاعس أي طرف عن القيام بواجبه يؤثر سلبا على أداء الشركة". ويورد الكاتب هنا قائمة بالأطراف ذات العلاقة بإدارة الشركات. ومما يورده المؤلف في هذا الاتجاه هو أنه في الدول الديمقراطية "يلعب البرلمان والجهات القضائية دورا رقابيا على أعمال الشركات للتأكد من أنها تعمل ضمن قوانين البلد والقوانين والمعايير العالمية المتعلقة بالأنواع المختلفة للأنشطة التجارية أو القطاعات الاقتصادية المتنوعة". ولعل هذا يضع علامة استفهام كبيرة أمام بعض دولنا العربية التي تحظر على البرلمان أو لجانه المتخصصة مراقبة شركات عامة بعضها يمارس دورا في غاية الأهمية في اقتصاد البلاد. ويخلص الكاتب - بعد عرض مسهب لكل الأطراف ذات العلاقة بإدارة الشركات ومسئولياتها المنبثقة مما تبيحه لها قوانين اللعبة الديمقراطية من أجل ضمان سلامة إدارتها - إلى أن "درجة ديمقراطية البلد تحدد درجة ديمقراطية الشركات فيه، وبذلك لا يمكن أن نقبل أن نقول إن هذا البلد ديمقراطي من جهة بينما الشركات لا تتبع أساليب ديمقراطية في إدارتها من جهة أخرى". ويذهب إلى أبعد من ذلك حين يؤكد أن "مفهوم الأساليب الإدارية لممارسة السلطة أو حوكمة الشركات لا يجب أبدا أن ينظر إليه كشيء غير لازم أو من الكماليات التي قد تزيد كلفة الإشغال على حساب كفاءة الشركة. على النقيض تماما فإنه يلزم لزيادة كفاءة أية شركة وجود أسلوب إداري جيد لحسن الممارسة الإدارية وتوجيه الشركات الذي يرسي القواعد والأنظمة الأساسية لإدارة الشركة واحترام متطلبات جميع الأطراف التي تتعامل معها مع وجود الجهات الرقابية التي تراقب عمل هذه الشركات للتأكد من الالتزام بمتطلبات المعايير الموضوعة ليس فقط من قبل الشركة بل تلك الموضوعة من قبل الجهات الرقابية في البلد ضمن المعايير العالمية". وكما يؤكد المؤلف "فإن حسن الممارسة في اتباع الأساليب الجيدة لإدارة الشركات لا تختلف عن حسن الممارسة الديمقراطية في أي بلد بل تكون أمور الإدارة الجيدة للشركات هي نتاج للتطبيق السليم للديمقراطية. فالأطراف المؤثرة في العمل الديمقراطي هي نفسها الأطراف التي لها علاقة بالشركات وإن اختلفت التسميات والشروحات". ويربط المؤلف بشكل وثيق بين ممارسة الشركات للديمقراطية وسيادة الديمقراطية في البلد الذي تعمل فيه تلك الشركات. ولذلك نراه يصر على أنه "من الصعب أن نتصور وجود شركات في أي بلد تقوم بتقديم المعلومات المتعلقة بأنشطتها بشفافية بصفة طوعية إذا لم يكن ذلك مطلوبا منها بموجب القانون أو إذا كان البلد نفسه بعيدا عن ممارسة الديمقراطية أو لا يلتزم بأمور الإفصاح والشفافية". ويطالب المؤلف الحكومات أولا بأن تكون على مستوى كبير وعال من المهنية كي تكون النتيجة وبالضرورة اضطرار "الشركات لاتباع المهنية في ممارسة أعمالها". وينهي المؤلف هذا الفصل بالإشارة إلى ضرورة "وجود ضوابط لأمور الإفصاح والشفافية بطريقة تساعد المواطن على معرفة ما يخصه ومن ثم تقوده لطلب التغيير والتحسين في عمليات اتخاذ القرار". وهذا بدوره ينعكس على المؤسسات كافة ويلزمها بـ "اتباع أساليب إدارية تتفق ومتطلباتها مع النهج الديمقراطي في البلد وتتيح مجالا واسعا للإفصاح عن شئونها بشفافية حتى تتمكن جميع الأطراف التي تتعامل معها من بناء قرارات التعامل معها أو الاستثمار في ملكيتها طبقا لما تتيحه من معلومات وأمور عن أنشطتها وخدماتها". وكأن المؤلف يريد القول إن الديمقراطية نظام متكامل لا يمكن تجزئته.
- تأليف: صالح حسين
- الناشر: اتحاد المصارف العربية
- تاريخ النشر: يناير/ كانون الثاني .200
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 963 - الإثنين 25 أبريل 2005م الموافق 16 ربيع الاول 1426هـ