العدد 963 - الإثنين 25 أبريل 2005م الموافق 16 ربيع الاول 1426هـ

الديمقراطية والاحتلال "2"

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هناك اختلافات كثيرة بين الهيئات السياسية التي انتخبها الشعب العراقي إلى المجلس الوطني "التشريعي". والخلافات عميقة فاقت كل التوقعات النظرية، فهي لا تقتصر على البرامج السياسية "وهذا أمر صحي وطبيعي" وإنما تشمل حقوق "مصالح وحصص" الطوائف والمذاهب والمناطق والأقوام والقبائل.

المسألة إذا معقدة وهي في النهاية تطرح أسئلة ذات صلة بعلاقة الديمقراطية بالاحتلال. فالديمقراطية لا تفرض بقوة الاحتلال وهي ليست بضاعة قابلة للتصدير من طرف قوة عسكرية أجنبية. والديمقراطية أيضا ليست سلعة تصنع في الخارج وتصدر إلى العالم الثالث على منوال السيارة والكمبيوتر ومساحيق التجميل "الماكياج". فهي ليست بضاعة منجزة "جاهزة" معدة للاستخدام وإنما هي ذات صلة بالاجتماع "البشر" أو العمران كما يقول ابن خلدون في مقدمته. والعمران البشري في النهاية هو الأقوى، وهو القادر على فرض شروطه وتركيب الفكرة المستوردة لتتناسب أو تتأقلم أو تتكيف مع حاجات الناس ومستوى تطورهم.

الاحتلال إذا لا يأتي بالديمقراطية بل واقع الاجتماع البشري "العمران" هو من يرسم حدودها. وحين يكون العمران على صورة واقع العراق الخارج من الاستبداد والداخل تحت وطأة الاحتلال ستكون هيئة الصورة "الدولة" على ذاك المثال المذهبي والطائفي والقبلي والاقوامي... أي صورة مجتمع ما قبل الدولة.

الاختلافات كثيرة في البرلمان العراقي المنتخب. فهناك اختلاف على توزيع المناصب، واختلاف على توزيع الحصص وفق التوازنات المناطقية والمذهبية والطائفية والأقوامية وأحيانا العشائرية. وهناك أيضا اختلاف على تحديد الصلاحيات "الحزبية" مضافا إليه عدم اتفاق على هوية الدولة "عربية، إسلامية، علمانية... إلخ". كذلك هناك عدم تفاهم على صيغة الدستور وهو الأساس القانوني لدولة المستقبل. فهل ستكون على صورة الواقع "كونفيدرالية طوائف، أو فيدرالية مناطق جغرافية"، أو على هيئة مصطنعة "مركزية، لا مركزية"؟ كل هذا غير واضح المعالم.

هذا على مستوى المجلس التشريعي وما يتفرع عنه ومنه من هيئات ومؤسسات تنفيذية وقضائية وإدارية. أما على المستويات الأخرى فهناك حزمة من الاختلافات يمكن حصرها في ثلاث نقاط، وهي:

أولا، الموقف من الاحتلال ومدته وأسلوب التعامل معه في حال توافقت الأطراف على دستور موحد وجرت الانتخابات التشريعية في مطلع السنة المقبلة.

ثانيا، الموقف من دول الجوار وعلاقات العراق مع المنظومات والهيئات والمؤسسات العربية والإقليمية والإسلامية.

ثالثا، الموقف من سياسة العراق الدولية وما يمثله من كيان جغرافي - استراتيجي في توازنات المنطقة ومعادلات الصراع سواء على مستوى القضية الفلسطينية أو على مستوى مشروعات الوحدة العربية والأطر الاتحادية لتوسيع السوق العربية سعيا لتطوير قواعد التنمية والإنتاج والاستهلاك والرفاهية.

حتى الآن لم تحسم خيارات العراق. بل هناك عدم اتفاق بين الهيئات المنتخبة على هوية البلاد وعدم تفاهم على سياسات موحدة ومشتركة بالنسبة إلى الإدارة المحلية "الداخلية" وموقع الدولة ودورها في المنظومتين الإقليمية والدولية. فكل فريق يشد المظلة باتجاه معاكس، وهناك أيضا تجاذبات أهلية تسيطر عليها هويات ضيقة تتلون في كثير من الأحيان بلغات طائفية ومذهبية وأقوامية وعشائرية.

هذا النوع من التمثيل السياسي في البرلمان، وهو في النهاية يعكس صورة العمران البشري، يهدد فعلا وحدة الدولة العراقية كما عرفناها في المحطات التاريخية السابقة. وهذا النوع من التعاكس في التمثيل السياسي إذا لم يهدد وحدة الدولة "الجغرافية - التاريخية" فإنه على الأقل يضعف بنيتها الداخلية ويفكك توجهاتها الخارجية. وهو أمر يشجع القوى الأجنبية "الاحتلال الأميركي" على زيادة جرعة تدخلاته المباشرة في الحياة اليومية للناس والأحزاب. وهذا النوع من الفوضى السياسية يعطي أيضا فرصة إضافية للاحتلال لتمديد فترة إقامته والتذرع باحتمال اندلاع الاقتتال الأهلي لتبرير وجوده لمدة زمنية مفتوحة قد تتجاوز السنتين

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 963 - الإثنين 25 أبريل 2005م الموافق 16 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً