يبدو أن دول مجلس التعاون الخليجي أدركت أخيرا ضرورة تنويع خياراتها الاستراتيجية بخلق أكثر من حليف اقتصادي وسياسي لها في العالم، إذ توجهت الآن إلى سوق التنين الصيني بتوقيعها اتفاق تجارة حرة في العام 2006 ناهيك عن اللقاءات المكثفة الأخيرة بين الغرف التجارية والصناعية العربية والمسئولين الصينيين، وربما استشعر القادة العرب أن الولايات المتحدة الأميركية لن تكون خيارا إقتصاديا مضمونا إلى الأبد للدول العربية عموما ولدول الخليج الغنية بالنفط خصوصا، فطوال سنوات لعبت بريطانيا الدولة العظمى سابقا وأميركا في تحجيم المكاسب الاقتصادية التي يتمتع بها الخليج ليصبح سعر النفط الذي يساوي ذهبا في المصانع الأميركية أرخص من سعر الماء الذي يعلب لنا من هناك، ولا يخفى أهمية التكنولوجيا الأميركية في تطوير الصناعة وخير دليل المملكة العربية السعودية التي استفادت بصورة كبيرة من التقنية الأميركية في مختلف القطاعات.
وتلوح في الأفق بوادر عدم ثبات في العلاقات الأميركية الخليجية ومن ضمنها العلاقات خصوصا السياسية بعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول والتي يترتب عليها تأزم في العلاقات الاقتصادية، وسيغدو الخيط الرفيع الذي يربطنا بالاقتصادي الأميركي وهو النفط أضعف ما يكون للصمود في ظل تقدم تكنولوجي قد يبشر في المستقبل القريب أو البعيد بحلول عملية لبدائل الطاقة، علاوة على استعداد الولايات المتحدة دفع ثمن باهظ لتوفير موطئ لها في كنز بحر قزوين النفطي وهو أحد الأسباب الجوهرية لغزوها أفغانستان الفقيرة.
ولعل تأزم العلاقة العربية الأميركية دفع بكثير من الدول وخصوصا الخليجية إلى مراجعة أوراقها وخياراتها الاستراتيجية فلم يعد الحليف الأميركي يوفر الأمن الاقتصادي أو السياسي لهذه الدول على رغم أنه الصانع الأول للنظام الاقتصادي العالمي والمحرك الأوحد للعولمة التجارية.
ولا يعتبر هذا التوجه الخليجي والعربي إلى سور الصين بالمستغرب، فالمارد الآسيوي العملاق ينمو في صمت شديد، ويتوقع الكثير من المحللين والخبراء أن يستيقظ العالم في صبيحة أحد الأيام فيروا أن السور الصيني قد أحاط الكرة الأرضية ليصبح هو المسيطر والقوى العظمى ولتزيح الولايات المتحدة عن منصب السيادة على العالم.
المنتجات الصينية بدأت تغزو العالم في مختلف الأشكال وإن أشيع عنها بأنها تفتقر إلى الجودة والتكنولوجيا لكن هذا القول ينقصه الكثير من التمحيص، فالصينيون أجادوا بشكل مذهل سياسة التسويق والإغراق لكثير من المنتجات بل أصبحوا مصنعين أصليين لا تقليدين لكثير من الماركات العالمية خصوصا في مجال الكمبيوتر والإلكترونيات الدقيقة والأجهزة الكهربائية، فالقوة البشرية الصينية فوق كل تصور وامكاناتها اللامحدودة لم يحسب لها حساب. فالجمهورية الاشتراكية المحافظة كانت على موعد مهم مع أهم المجالات الحديثة والمستقبلية الواعدة بخرقها للغلاف الجوي وتطلعها للفضاء وإذ ما وصلت إلى مراحل متقدمة في هذا المجال يماثل ما وصل له الروس والأميركان فإن العالم يجب أن يحسب ألف حساب للقوى العظمى الجديدة والرئيس العالمي الجديد المرتقب.
دول المجلس أحسنت الاختيار بالاتجاه للصين وإذا ما وثقت علاقاتها مع الحليف الذي لم تعره ما يستحق من الاهتمام فإنها ستمنح نفسها أكثر قدر من الاستقلالية وعدم التبعية في المستقبل، فالجهود الآن يجب أن تنصب نحو تعزيز هذه العلاقة والإسراع الحثيث في تطبيق اتفاقات التعاون المشترك ببناء مشروعات مشتركة حقيقية تربط المصالح والاستفادة من التكنولوجيا الصينية الصاعدة، ولن تكتمل هذه الشراكة الاستراتيجية والحيوية بوجود ارتباط وتعاون ثقافي واجتماعي وفكري لما يملكه الجانبان من حضارات قديمة ومتعاقبة ولما تحتويه الصين من جاليات مسلمة لم تعزز العلاقة بهم بعد
إقرأ أيضا لـ "علي الفردان"العدد 963 - الإثنين 25 أبريل 2005م الموافق 16 ربيع الاول 1426هـ