العدد 963 - الإثنين 25 أبريل 2005م الموافق 16 ربيع الاول 1426هـ

فضاء مفتوح على الريبة والنظرات القاصرة

الذكرى الأولى للمغفور له ملتقى البحرين/ أصيلة

في الكثير من البلدان العربية والخليجية تأسست فعاليات فنية وثقافية وترسخت بحيث باتت "أعرافا" سواء تلك التي تنظم بشكل سنوي أو التي تقام بصورة دورية لدرجة أن البعض منها وضع في عداد الفعاليات الدولية المعروفة "بينالي الشارقة مثالا".

عندما استقبلنا نبأ إقامة ملتقى البحرين/ أصيلة على أرض البحرين استبشرنا خيرا وظننا أن بوابة فتحت بعد دهور من القحط والبور اذ لا فعالية فنية أو ثقافية عربية أو دولية تقام بالبحرين بصورة منتظمة.

المجانين والخيال

عام مر فقط على هذا الملتقى... هل تذكرنا وتخيلنا مشهد الجو العام بأثر رجعي؟

عام ولى ومضى والصمت مطبق والحدث المصروم أضحى سرابا، على رغم سرابيته فإن المجانين أمثالنا يصدقون الخيال ظنا منهم بأنه فضاء جميل منه يمكن الانطلاق والتأسيس لفعل جمالي وبصري.

ملتقى تابعه القاصي والداني واكتسب سمعة ولو مؤقتة بسبب حجمه ومكانة المدعوين يختفي هكذا أو يمحى بتلك البساطة والإغراق في الاستخفاف. منذ البدء لم تكن الأضواء كافية لتنير وجه الملتقى ولتبين دربه، كانت محاطة بسياج الريبة والخيلاء غير المبرر الحضور... ولم تشر ولو للحظة إلى إمكان الاستمرار وفق معايير التأسيس المعروفة، بل ولم تدلل على إصرار للمضي قدما في إقامة الحدث بعيدا عن البهرجة المفتعلة والإغراق في تكريس مشهدية حضور صور كرم حاتم الطائي بديلا عن إعمال العقل والأخذ بالمشورة والنظر بواقعية تهدف إلى تقديم إبداع جميل هادف بشتى صوره.

قراءات لأصيلة

عن هذا الملتقى الذي صار بمثابة أحجية نقرأ ما قاله بعض الفنانين المشاركين في الملتقى الأول... عن مصيره الذي طار على جناح سراب.

الفنان القطري يوسف أحمد قال: ليتنا نفكر في إقامة مهرجانات مثل تونس "الدوحة أو لبنان" عمان كما البحرين وأصيلة حتى يكون هناك تبادل ثقافي وحضاري بين المشرق والمغرب العربي، كل الفنانين في الوطن العربي محتاجون إلى ورش فنية لتبادل الخبرات والتجارب وللتعاطي بمختلف الآراء. وإلى أين صار ملتقى البحرين/ أصيلة؟ أجبت بحرقة فقط: ذهب في المهب... في مهب التباهي والنسيان، وأيضا فقط. إذا هكذا اختفى وبكل خفة.

إنها مفاجأة، البحرين الكل يعرف أنها أرض خصبة كما أن للمغرب تجربته العريقة في إقامة وتنظيم مثل هذه المهرجانات، فرحنا جدا عندما سمعنا بإقامة ملتقى البحرين/ أصيلة بالبحرين، بمعنى أن يحضر ويشارك فنانون من أكثر من بلد، من عمان والسعودية وقطر وقس على ذلك ولاسيما أن يكون موقعا استراتيجيا لف الجرافيك بالمنطقة، ناهيك عن تنفيذ تلك الجداريات ذات البعد الحضاري والبيئي والاجتماعي يبدو لي أن المشروعات الثقافية بالوطن العربي آخذة في الأفول للأسف، وكأنما هناك سحر ما علينا معرفة تفكيك رموزه.

نظرة قاصرة

سألنا الفنان جعفر العريبي: هذا الغياب الحاصل... انقطاع الأنباء... فضاء مفتوح على الريبة والسؤال والاستفسار... بم تفسره؟

قال: "أفسره بعدم وجود نظرة بعيدة المدى وتخطيط سليم للملتقى وربما بشكل أكبر للكثير من الفعاليات الثقافية والتشكيلية بشكل خاص، فوجود مشروع وليد مثل ملتقى البحرين/ أصيلة يحتاج إلى المزيد من الاهتمام على المستوى الرسمي وتعاونه مع الفنانين، والواقع بأن مثل هذا القصور في الرؤية يترك الكثير من الاحباطات على مستوى الفنانين، فتأسيس الملتقى قد مر بالكثير من الصعوبات والعقبات سواء من ناحية التجهيزات أو ما صرف عليه لأمور ذات علاقة بتسييره. وتوقف الملتقى وعدم وجود أخبار عنه حتى اللحظة هذه يعد خسارة كبيرة خصوصا وأن مثل هذه المشروعات تحتاج إلى الاستمرارية والجدية في التعاطي معها أولا بأول، بمعنى أن وجود الجدية في العمل تتطلب جلسة محاسبة تكون مباشرة بعد انتهاء الفعالية وذلك من أجل الإعداد إلى المستقبل سواء للفعالية نفسها أو لفعاليات أخرى مشابهة تستفيد من هذه التجربة. أقول: أين هي اللقاءات التي عقدت بعد الملتقى؟ أليس من حق الفنانين أن يتساءلوا ويطلعوا عليها".

ماذا كان يعني لك الملتقى ويشكل؟ وهو الغائب... المغفور له حاليا؟ "بالنسبة إلي كانت التجربة الأولى التي التقي فيها مباشرة مع هذا العدد من الفنانين - المختلفين - مختلف الثقافات والتجارب وفي الواقع يأتي الجو الذي كان سائدا في ورشة "الجرافيك" خصوصا والعمل الجماعي قد ترك في نفسي الأثر الكبير جدا فمن خلاله استطعت أن أتعرف على الكثير من التقنيات المستخدمة في الحفر وفي طريقة التفكير أيضا اذ إن الفنانين الموجودين آنذاك من الملتقى ينتمون إلى ثقافات وبيئات مختلفة مما كان ينطبع على إنتاجهم من وجهة نظري، فلقد كانت الورشة بمثابة درس كبير لي حاولت أن أستفيد منه لأقصى درجة ممكنة ولقد ساهم ذلك في تغيير الكثير من أفكاري بالنسبة إلى طبيعة التعامل مع العمل الفني عموما والمعدن خصوصا فلقد أصبحت قصعة المعدن حاليا عندي بمثابة الشخص الآخر الذي أتحاور معه ولقد كانت نظراتي قاصرة في ما مضى بالنسبة إلى التعاطي مع فن الجرافيك.

من ناحية أخرى فلم يكن الملتقى يمثل لي مشروعا شخصيا أو مشروعا موجها لمجموعة من الفنانين إنما كان بمثابة مشروع ثقافي جديد ولد حديثا والذي كنت أتصور انه سوق يستمر بشكل أفضل، فلقد انتهى زمن التباطؤ والتراضي في التعامل مع مثل هذه المشروعات الفنية فان ينتظرنا أحد في بقية العالم لكي نلحق به ولن يقدم لنا أحد مشروعات جاهزة مجانا فالمجتمعات تبنى بالإخلاص والتعب وليس بانتظار الآخرين".

وأد للتجربة

شعورك وأنت ترى الورشة... المكابس ملحوفة بقماش يشبه أكفان الموتى... وكأن هذا القماش يعلن حالة موتها؟

"اتفق معك فيما طرحت اذ إن الحاصلة هو بمثابة الوأد لهذه التجربة فما معنى هذا السكوت الطويل عن الملتقى؟ فهل يعقل أن يكون مسرح بلا ممثلين؟ أو قاعة موسيقى من دون عازفين؟هذا ما ينطبق فعلا على ورشة الجرافيك اذ إنها ورشة من دون فنانين، من دون روح حاليا فالمكبس الذي لا يستخدم لا يتجاوز كونه قطعة من الحديد فالإنسان هو الذي يضيف إلى ما حوله، واعتقد أن هناك قصورا في التعاطي مع هذه الورشة أو الملتقى عموما ولا أجد سببا آخر لما هو حاصل، فإذا كانت هناك أسباب أخرى لماذا لا يطلع عليها الفنانون؟".

استمرار للعتمة

أما الفنان عبد الجبار الغضبان فيقول: "من المؤسف أن لا يقام ملتقى البحرين/ أصيلة في دورته الثانية والتي من المقرر أن تقام في شتاء 2005 لأن هذا الملتقى طفرة ثقافية جديدة وفنية تعيشها البحرين للمرة الأولى على المستويات الإبداعية كافة وخصوصا بالنسبة إلي أنا الذي اشتغلت منذ البدء وعلى مدى أشهر لإعداد ورشة الجرافيك من كل جوانبها ابتداء من البحث عن موقع للورشة واختيار المعدات اللازمة لها من مكابس وأدوات ذات علاقة بفن الجرافيك، لقد استبشرت خيرا بأن ما كان يراودني في الحلم أصبح حقيقة شاخصة ستؤسس لمهرجان عملاق يعمر لسنين طويلة ويفتح الآمال واسعة لمشروعات كثيرة تفعل دور الثقافة والفن والأدب وتتيح الفرصة للطاقات الإبداعية المحلية لتفصح عما بدواخلها ولتقدم مشروعاتها الفنية "الشخصية" واعتبر هذا "الموت" الموقف المجحف بحق الثقافة والفن والتي يجب أن تنال حقها الطبيعي كمشروع إنساني نهضوي يؤسس لمرحلة جديدة تفتح الأبواب لنشر الثقافة بين أوساط شرائح المجتمع، وهذا الموقف بحق يعتبر طعنة في خاصرة البلد تنذر باستمرار العتمة والظلام وتفسح المجال واسعا للكثير من الخفافيش والطحالب أن تنمو سريعا في وسطنا الثقافي والإداري، وهنا أتساءل: ألا تستحق الثقافة والفن والإبداع أن ننفق عليها قليلا من الدنانير تفرح القلب".

"لقد عايشني طموح وأنا في زحمة الإعداد... في نشوة الفرح بأنه أصبح لدينا صرح آخر يكمل ويغذي المشروعات الثقافية الأخرى في المنطقة كبينالي الشارقة ومهرجان الدوحة ومهرجان القرين الكويت والجنادرية بالمملكة العربية السعودية، التي ترصد لها موازنات كبيرة لا تقاس بما صرف هدرا على ملتقى البحرين/ أصيلة".

موت ورشة الجرافيك...

"فرحت جدا لتأسيس مثل هذه الورشة التي كلفت الباهظ من المال واعتبرت وظننت أنها ستكون منطلقا لنشر ثقافة وتعليم فنون الجرافيك ليس في البحرين فقط بل في دول منطقة الخليج العربي، ولن أنسى الصدى الذي لاقته تلك الورشة حين تشغيلها وأعداد المتسائلين من الفنانين المحليين والخليجيين الراغبين في تعلم أصول فنون الجرافيك وتقنياته إن كان ستنظم دورات منتظمة بعد انتهاء فترة الملتقى، لكن...

أقول ذلك لحسرة تلتاع... لوخزات تهز القلب لا يشعر بها إلا المحب لمثل هذا الفن والعارف بأهميته الحضارية والإنسانية "ألم يقل أحد أهم الفنانين العرب ممن شاركوا في فعاليات الورشة وأسهموا بصورة فاعلة ومتميزة... حرام تتسكر هذه الورشة... ليه ما بيشغلوها ويفتحوها للناس تتعلم" أشبه ما حصل بعصر الظلام والجهل في مجتمعنا عندما كان التعليم لا يطاله إلا أفراد قليلون"





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً