بقي الملف اللبناني محل اهتمام الصحف الأميركية، والذي يشهد "حلحلة" على مستويات عدة مع تكليف رئيس الوزراء نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة، والتي تؤكد أن تسوية ساهمت في بلورتها كل من واشنطن وباريس والرياض وإذ تقر الصحف الأميركية بجهود أميركا وفرنسا، تخوف أحدهم من أن الاستقرار اللبناني الهش سيتعرض للخطر إذا ما وضع في واجهة "ربيع الشرق الأوسط".
وأكدت معلومات المعلقين أن انتصار المعارضة اللبنانية سيعزز نفوذ أمراء الحرب في هذا البلد، كما لم تخل الصحف من مقالات ترصد التغييرات في المنطقة عبر الأزمة اللبنانية التي بات محورها حزب الله. وأكدت معلومات أحد التقارير أن هذا الملف كان الأهم على "أجندة" اللقاءات الأخيرة بين الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون في تكساس، إذ تم التخطيط للجولة التالية من النشاطات العسكرية والسياسية في المنطقة واحتمال توجيه ضربات عسكرية إلى إيران وسورية وحزب الله وحركة "حماس" وغيرها من الحركات التي ترفض "النظام العالمي الجديد".
وإذ لاحظ أحد أبرز الليبراليين الأميركيين أن المتشددين على الجانبين الإسرائيلي والعربي يشكلون العقبة الرئيسية في وجه نشر الديمقراطية في المنطقة، برز رأي آخر لمعلق إسرائيلي يعتبر أن الديمقراطية والحرية في العالم العربي ليستا في مصلحة "إسرائيل"!.
وكشف موقع "ميدل إيست رياليتيز" على "الإنترنت" أن الزعماء الأميركيين والإسرائيليين الذين اجتمعوا قبل أسبوعين في مزرعة بوش في تكساس، خلال زيارة شارون، قاموا بالتخطيط معا للجولة التالية من النشاطات العسكرية والسياسية السرية والعلنية في المنطقة.
وأكد الموقع أن وسائل الإعلام لم تعلن سوى جزء صغير مما دار في تلك اللقاءات. وكشف أن النقاشات السرية لم تكن بشأن المستوطنات أو عملية السلام كما أشارت تصريحات المسئولين والتقارير الإعلامية، بل تمحورت حول سبل تصعيد الضغوط واحتمال توجيه ضربات عسكرية إلى إيران وسورية وحزب الله في لبنان وحركة "حماس" في فلسطين وغيرها من الحركات التي ترفض "النظام العالمي الجديد" الذي ظهر في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر/ أيلول. ولفت الموقع، إلى أن "إسرائيل" وواشنطن تتجه أنظارهما مرة أخرى إلى لبنان وسورية فضلا عن إيران وما تبقى من المقاومة الفلسطينية وخصوصا بعد أن تم احتلال أفغانستان والعراق وفي ظل وجود قواعد أميركية للجيش الأميركي ووكالة الاستخبارات "سي. آي. إي" منتشرة في جميع أنحاء المنطقة.
وكتب جاكسون ديهل في "واشنطن بوست" مقالا تحت عنوان: "ربيع متشنج في الشرق الأوسط" استهله بالإشارة إلى ما وصفه بـ "الكرنفال" الذي شهده وسط مدينة بيروت في الذكرى الثلاثين للحرب الأهلية. فلاحظ أن "الكرنفال" نظم باسم الوحدة الوطنية وأعطى انطباعا بأن الجماهير التي نظمت تظاهرات في ساحة الشهداء منذ اغتيال الحريري والمطالبة بوضع حد للهيمنة السورية على الشئون اللبنانية وإقامة نظام ديمقراطي، أصبحت أكثر قوة. غير انه استدرك أن السياسة في العالم العربي ليست بهذه البساطة فلا في لبنان ولا في غيره من الدول العربية يمكن أن نلمس تغييرا حقيقيا.
وأوضح ديهل أن "انتفاضة الاستقلال" وداعميها في واشنطن وباريس نجحوا في إجبار الجيش السوري على الانسحاب غير أن هذا الانسحاب أشعل معركة معقدة بشأن كيفية إدارة اللبنانيين شئونهم بأنفسهم. وأضاف أن المعارضة اللبنانية تدعو إلى تنظيم الانتخابات في موعدها في أواخر مايو/أيار باعتبار أن هذا الاستحقاق سيكون فرصة لتجريد النخبة السياسية الموالية إلى سورية من نفوذها، في حين أن الموالاة في محاولتها للبقاء في السلطة وتأجيل الانتخابات تشدد وهي محقة برأي ديهل على أن الاستقرار اللبناني الهش سيتعرض للخطر إذا ما وضع في واجهة "ربيع الشرق الأوسط" بحسب ما يقول ديهل، لينقل في هذا السياق عن مسئول لبناني رفضه أن يلعب لبنان دور المختبر للاستراتيجيا الأميركية لتعزيز الديمقراطية في المنطقة.
وأشار ديهل، في هذا الإطار إلى أن المعارضة اللبنانية حققت مكسبا تكتيكيا عندما خسر المرشح لرئاسة الوزراء الذي وصفه بالمتشدد عبدالرحيم مراد لصالح السياسي الأكثر اعتدالا والصديق الشخصي للرئيس السوري نجيب ميقاتي الذي تعهد بإجراء الانتخابات في موعدها. وأشار إلى أن ميقاتي أكد له شخصيا أن الخطة الأميركية لنشر الديمقراطية في المنطقة تتضمن القيم نفسها التي ينادي بها اللبنانيون، وأنها المرة الأولى التي يحصل فيها اللبنانيون على الفرصة، لذلك عليهم أن يسألوا أنفسهم عما إذا كانوا مستعدين وقادرين على حكم أنفسهم أم لا. وحذر من أن انتصار المعارضة اللبنانية لن يعزز وضع مناصري حقوق الإنسان فحسب ولكنه سيعزز أيضا نفوذ عدد كبير من أمراء الحرب الذين شاركوا في الحرب الأهلية.
وفي السياق ذاته، اعتبر توماس فريدمان في "نيويورك تايمز" أن المتشددين على الجانبين الإسرائيلي والعربي يشكلون العقبة الرئيسية في وجه الديمقراطية. فإذا نظرنا إلى التطورات التي تشهدها المنطقة بشكل سطحي، سنلاحظ أن النزاع الداخلي في "إسرائيل" بشأن الانسحاب من غزة غير مرتبط نهائيا بما يحصل في لبنان والعراق والأراضي الفلسطينية، إذ يجري البحث في كيفية إعادة توزيع السلطة والصلاحيات. غير أنه أكد أن كل هذه التطورات ترتبط بمسألة واحدة يمكن اختصارها في السؤال التالي: هل الديمقراطية ستمد جذورها فعلا في الشرق الأوسط أم لا؟ وأشار فريدمان، إلى أن السؤال الأبرز في "إسرائيل" اليوم هو هل سينجح النظام الديمقراطي في "إسرائيل" في تنفيذ القرار التاريخي بالانسحاب من غزة. أما في العراق ولبنان والأراضي الفلسطينية، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو هل المجموعات العرقية هناك قادرة على خلق مساحة سياسية تتيح اتخاذ القرارات التاريخية الضرورية لتحضير هذه المجتمعات للسير قدما في عملية التطور. وباختصار يتساءل فريدمان، عما إذا كان المجتمع العربي قادرا على إنتاج ديمقراطية تستطيع أن تجعل هذا المجتمع "صحيا"، وما إذا كانت الديمقراطية الإسرائيلية ستصمد وتنجح في تنفيذ القرار التاريخي بإخلاء غزة؟ فهذا الانسحاب يهدد اليهود المتدينين الذين يطمحون ليس إلى السلام بل إلى الهيمنة على المجتمع الإسرائيلي.
من جانبه، لاحظ ألوف بن في "هآرتس" أن "عقيدة بوش" لإحداث تغيير ديمقراطي في الشرق الأوسط لم تلق صدى في "إسرائيل" على عكس الدول العربية المجاورة، إذ أكد أن أي تغيير في الأنظمة العربية سيكون له تأثير كبير على "إسرائيل" واستغرب تجاهل المسئولين فيها هذا الأمر وتعاملهم مع المبادرات الأميركية وكأنها أوهام. وعزا هذا التجاهل إلى اقتناع الإسرائيليين بأن العرب ليسوا متطورين بما يسمح لهم بتبني الأسلوب الغربي في الحكم وانهم يفضلون الدكتاتوريات القائمة إذ يعتبرونها ضمانة للأمن والاستقرار، يقول بن، ليلفت إلى أن "إسرائيل" لديها مشاعر متناقضة من "دمقرطة" المنطقة: فمن جهة ستكون الدول العربية الديمقراطية أقل تهديدا وستقلص من خطر الحرب، لكن من جهة أخرى ستخسر "إسرائيل" موقعها الفريد في المنطقة، فالقيم المشتركة مع واشنطن ستكون أيضا مشتركة مع دول أخرى. غير أن بن، رأى من جانبه أن الواقع ان الديمقراطية والحرية إذا ما انتشرتا في الدول العربية فإنها ستساهم في وصول الإسلاميين المتشددين إلى الحكم وهو ما يهدد "إسرائيل" وخصوصا أن هؤلاء سيواصلون نضالهم ضد "إسرائيل"
العدد 962 - الأحد 24 أبريل 2005م الموافق 15 ربيع الاول 1426هـ