البعض يقول إن تلك مسائل عصية على الحل، ولكن ماذا قاد الدول والأمم إلى أن تتحالف في أوروبا وغيرها من الدول؟ في ماليزيا ماذا دعاهم إلى تثبيت ركائز الحكم الصالح؟ في الدول المتقدمة تتنافس الأحزاب السياسية والقوى الاجتماعية على برامج سياسية يتم الإعلان عنها للجمهور ومن يرغب ينضم أو يؤيد أو يناصر هذا الحزب أو هذه القوى أو التنظيم السياسي على أساس هذا البرنامج. في مملكة البحرين تنافس القوى السياسية بعضها البعض على أسس دينية/طائفية أو قبلية أو عرقية... إلخ.
والطائفية نار تنهش جسد المجتمع، وتنخر حقوق المواطنة، إن كانت هناك من مواطنة ترتجى! الطائفية في البحرين، من أين نبدأ؟ وقبل البدء من المهم معرفة سمات وخصائص الفرقاء السياسيين، ما يؤمنون به من مبادئ؟ أين مخاوف الآخرين من هذه المبادئ؟ ما اسلوب في إدارتهم للصراع من أجل تحقيق مبادئهم؟ هذه الأسئلة وغيرها تم تداولها كمحاور رئيسية في جلسة حوار بين رئيس جمعية الوفاق الوطني الإسلامية الشيخ علي سلمان ورئيس جمعية العمل الوطني الديمقراطي إبراهيم شريف السيد، في مجلس عضو جمعية الوسط العربي الإسلامي الديمقراطي خليفة المنصور، بحضور لفيف من نخب جزيرة المحرق.
قال الشيخ علي: بدأت العمل السياسي في العام 1992م من دون أي انتماء حزبي، ولكن "برأسي" الكثير من الأسئلة حينذاك عن الوضع العام في البلاد. ودار الجدل مع عبدالوهاب حسين عن المطلوب عمله من أجل حلحلة الوضع السياسي المتأزم في البلاد، واتفقنا على العمل من أجل تصحيح النظام، وليس من أجل قلب النظام. ويضيف: "كل القوى الإقليمية كانت لها أجندة خاصة، وذلك ما كنا ندركه في تلك الفترة، إلا أن الأجهزة الأمنية في التسعينات لم تستطع إدراك أن الحل الأمني مستحيل، إذ كانوا يقبضون على الطفل ذي الثلاثة عشرة عاما وكانوا يسألونه فيجيب عليهم: "نريد البرلمان"! تصوروا ذلك!
من جهة أخرى يؤكد الشيخ علي أنه "لا توجد لدينا أجندة معلنة وغير معلنة، فكل ما لدينا معلن على الملأ، وبإمكاني الإجابة على أية أسئلة تخطر في ذهن أي أحد بهذا الشأن". وعن الانقسامات والتنافس السياسي بين الفرقاء السياسيين قال: "التوجس من الطوائف والجماعات لا داعي له، فهناك داخل الوفاق مجموعات تتوجس من الأخرى، فضلا عن وجود ذلك بين الجماعات الأخرى".
وعن الاطروحات التي يراها البعض طائفية أكد الشيخ علي أنه ليس بالإمكان طرح مشروع طائفي، وليس هناك أي نجاح لأي مشروع ذي أبعاد طائفية، ولكن جزءا من فشلنا السياسي في بعض الأحيان هو افتقادنا للمشروع الوطني. ونحن لم نشرع أي مشروع طائفي. وفي إجابته على سؤال إن كان الشيعة فقط من يقع عليهم الظلم قال: "ليس الشيعة وحدهم هم المظلومون في الوطن، ولكن السلطة المطلقة هي التي تسبب الاختلال وكل المواطنين يعانون، بدرجات متفاوتة".
وعن مسألة الثقة قال: "نحن بحاجة إلى خلق الثقة، وأنا لا أبرئ السلطة، وهي من استخدمت الورقة الطائفية وذلك ليس في صالح الوطن، وإذا أرادت السلطة أن تبني وطنا فعليها أن تمد جسور الثقة بين المواطنين. وبشأن مصطلح الأكثرية والأقلية أوضح أنه ليست هناك أكثرية وأقلية في هذا البلد ويجب علينا أن نركز على المواطنة وليس التعويل على اللون الديني أو العرقي".
وفيما لو أنه لم تتم تعديلات دستورية هل لدى "الوفاق" أجندة عنيفة سياسيا مع السلطة؟ أجاب سلمان: لا يوجد في أجندتنا أي منحى للصدام، حتى وإن لم تتم تعديلات دستورية أو مشاركة في الانتخابات النيابية.
وعن سؤال بشأن تعرض البعض لبعض الصحابة "رض" قال الشيخ علي سلمان: "نحن نرفض هذا التعرض للصحابة رضوان الله عليهم، وذلك العمل تقوم به فئة قليلة ومرفوض أصلا من قبلنا. وغالبية الشيعة يترفعون عن سب الصحابة، ويجب تثقيف ونقد الآخرين، وذلك النقد مقبول من مشايخ الدين الشيعة لهذه الممارسات، ويجب علينا أن نرتقي بخطابنا في هذا الشأن".
بعد ذلك تحدث إبراهيم شريف عن زيارته للشيخ علي سلمان في لندن وعن انطباعاته التي خرج بها في تلك الفترة. وعن تاريخ المحرق السياسي تحدث شريف قائلا: "للمحرق باع طويل في المعارضة لسياسات السلطة، إلا أن اختزال المعارضة في الوفاق، أي الجانب الشيعي، هو ما أثر على الشارع السني، فالبعض لا ينظر إلى الأهداف النبيلة وإلى الرسالة بل ينظر إلى المرسل وعلى هذا الأساس يتم استقبال أو رفض الرسالة. والصراع بين القوى "الدينية، اليسارية، القومية" لا معنى له، فاختلافهم على ماذا؟ إن كل الأمور تأخذ البعد الطائفي، ولا أحد يستفيد من ذلك سوى من لا يريد التغيير، وأمامنا 15 عاما فقط لنتقاسم النفط وبعد ذلك سينفد"!
وأضاف شريف: "هناك مصالح تسعى إلى توسيع الهوة والاستفادة من التفرقة بين الطائفتين والعزف على هذا الوتر المهلك".
وتحدث بعد ذلك عضو المجلس الوطني السابق جاسم مراد قائلا: "الطائفية إذا استمرت على هذا النحو ستحطم الوطن. فيما تحدث الناشط السياسي عبدالله مطيويع عن وجوب الاعتراف بالمرض وتشخيصه، وإن أي مشروع يجب أن يكون ذا أبعاد وطنية خالصة يرفع الظلم والغبن الذي يقع على الناس يوميا".
إبراهيم جمعان تحدث عن تدني خطاب النخب في المجتمع وانقسامه وانحداره إلى التنابز الطائفي، والقضية الأساس هي نفي الطائفية بين التيارات السياسية والقوى الاجتماعية الفاعلة. وفي المحور ذاته تحدث عبدالله الحداد عن وجود غلاة من الشيعة والسنة، ولكن أن تتحول هذه المغالاة إلى برامج سياسية فهنا تكمن الخطورة. وأضاف: يجب علينا أن نسأل أنفسنا ما هو الحل؟
واقترح أن تشكل لجنة لدرء الفتن لكي لا نصل إلى ما وصل إليه لبنان ابان الحرب الأهلية أو باكستان أو حتى العراق الآن... والمشكلة في الأشرطة والنشرات والأقلام المسمومة، وعلى ذلك يجب تشكيل لجنة لحلحلة القضايا الشائكة.
ووافق الشيخ صلاح الجودر الحداد في طرحه، مضيفا أنه لا يوجد أي خلاف في تمسك الإنسان بدين أو مذهب معين، ولكن الإشكالية تكمن في التعصب المذهبي، ونفي وإقصاء الآخر، والآخر هو الذي يعيش معنا في أرض الوطن.
وأضاف الجودر أن التنافس في خدمة الوطن والمواطنين من خلال استخدام الأدوات السياسية والمشاركة في الحكم وإدارة أعبائه لا خلاف على جدواه وأهميته، وهو سمة حضارية في الدول المتقدمة؛ إلا أن البناء لترسيخ أسس طائفية، وتعضيد عرى التمييز والتخلف الاجتماعي في البلاد والذي تمظهر من خلال بروز التنظيمات السياسية ذات المرجعيات الدينية/المذهبية... ذلك ما مهد لإمكان حصول تضارب مصالح الطائفة مع المصالح الوطنية الجامعة، وتحويل الصراع من صراع من أجل خلق فرص أكبر للتنمية البشرية وتوسيع هامش الحريات في المجتمع وترسيخ حقوق المواطنة إلى صراع بين التيارات السياسية من أجل إثبات الوجود الديني/المذهبي، وغلبة الشكلانية السياسية الفارغة من مضامين الأحزاب الوطنية في الارتقاء والنمو والتقدم، وهذا ما سيؤدي بنا "دولة ومواطنين" إلى الدرك الأسفل من التردي والفشل السياسي مقرونا بالسقوط الأخلاقي
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 960 - الجمعة 22 أبريل 2005م الموافق 13 ربيع الاول 1426هـ