بعد مرور قرابة ثلاثة أشهر على الانتخابات العراقية. .. وبعيدا عن ملابساتها لاتزال محاولات إعادة ترتيب علاقات السلطة تراوح مكانها. فهناك خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الوراء، وحتى الآن لاتزال الأمور تدور في إطار "المربع الأول" بحسب الوصف الذي ذكره أحد المسئولين العراقيين.
من يتحمل مسئولية عرقلة المسار السياسي العام؟ وما الأهداف من وراء تلك الألاعيب التي يبتكرها يوميا بعض المحسوبين مباشرة على الاحتلال الأميركي والمنخرطين في استراتيجية الولايات المتحدة التي تروج لنظرية "الفوضى البناءة"؟
لاشك في أن الجهات المحسوبة مباشرة على السياسة الأميركية وارتبطت قبل الحرب وبعد الاحتلال بالأجهزة العسكرية "البنتاغون والمخابرات المركزية" لها مصلحة بالعرقلة. فتلك الجهات لم تتوقع أن تخسر مواقعها في الانتخابات إذ قامت حساباتها على معادلات وهمية لا صلة لها بالواقع الاجتماعي والمؤسسات الأهلية واعتقدت أن غالبية الشعب العراقي تقف معها. وحين أعطت صناديق الاقتراع نتائج معاكسة خابت آمال الأجهزة الأميركية ومن شجعها من قوى سياسية على افتعال الحرب وتقويض الدولة بعد احتلال بلاد الرافدين.
نتيجة الانتخابات إذا لم تكن مريحة للولايات المتحدة ولكن واشنطن تظاهرت بالفرح وأعلنت سعادتها لنجاح التجربة خوفا من شماتة خصومها من الحزب الديمقراطي وكل المعارضين لحروب بوش في أوروبا والعالم.
أميركا تصرفت بعد إعلان النتائج الانتخابية وفق تلك الصورة التي يرسمها المتنبي في شعره:
إذا رأيت نيوب الليث بارزة
فلا تظنن أن الليث يبتسم
فالابتسامات التي برزت على وجوه بوش وربعه "تشيني، رامسفيلد ورايس" كانت أقرب إلى "التكشيرة" وليست تعبيرا عن الابتهاج. كذلك كانت ابتسامات أصدقاء أميركا وذاك الربع الذي ركب الدبابات ودخل مع قوات الاحتلال مدينة بغداد.
ظاهر المسألة غير باطنها. ولكن أميركا لم تكن قادرة على إعلان نفورها من خيارات الشعب العراقي ولم تكن بيدها حيلة أخرى سوى ممارسة الخداع واللعب على حبال الطائفية والمذهبية والمناطقية في داخل البرلمان "المجلس الوطني" لتفريغه من حيويته السياسية ودفعه إلى التخبط والتخابط ودخول مناطق خطرة تجنبا للوقوع في حقل ألغام الحساسيات القبلية والأقوامية والعشائرية.
تظاهرت واشنطن بالفرح وعبرت عن سعادتها بنجاح الانتخابات وبدأت في اليوم التالي تنهش التكتلات السياسية في المجلس التشريعي كسبا للوقت وإضعافا للتوازنات وتعطيلا لإمكانات القوى الفاعلة على الأرض إرضاء لمراكز قوى ترغب الولايات المتحدة في تمثيلها ولمنع تهميش دورها في بناء الدولة أو في وضع مسودة دستور جديد.
مضت الآن قرابة ثلاثة أشهر على الانتخابات ولم يعد أمام المجلس المنتخب سوى أقل من تسعة أشهر لإجراء الانتخابات المقبلة. ويفترض قبل إجراء تلك الدورة الجديدة أن يتوصل الفرقاء إلى صوغ بنود الدستور والاتفاق على هوية الدولة... وحتى الآن كل طرف يغني على "ليلاه". وكل فريق يبتز الآخر تارة بالانفصال أو الانقسام وطورا بالتهديد بإعلان كانتون "وحدة سياسية مستقلة" تتمتع باستقلال ذاتي وعلم خاص وحرس جمهوري وغيرها من إشارات وعلامات تمس السيادة وتعطل إمكانات إعادة توحيد ما فرقه الاستبداد والاحتلال... وأخيرا الديمقراطية.
المسألة إذا معقدة. ومن كان يعتقد أن "الديمقراطية" تملك الحل السحري لكل المشكلات والصعاب وغيرها من مشاعر لها صلة بحب الظهور أو السيطرة أو التعصب أو الانحياز إلى القبلية "الطائفية أو المذهبية أو العشائرية أو المناطقية" فعليه أن يبدأ بإعادة النظر في تلك الخرافة.
المسألة في النهاية تتعلق بذاك السؤال: من يسيطر على اللعبة؟ صاحب الأرض وهو الشعب العراقي أم صاحب القوة وتتمثل الآن في الاحتلال ومن ربط مصيره بمستقبل ذاك "المشروع الأميركي" الذي يدفع المنطقة برمتها نحو المجهول
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 960 - الجمعة 22 أبريل 2005م الموافق 13 ربيع الاول 1426هـ