يزعم هذا المقال انه آن الأوان للحكومة بل المجتمع البحريني بأسره اتخاذ بعض القرارات الصعبة فيما يخص وجود الأجانب في البلاد. يعود مصدر تخوفنا هذا إلى أن الأجانب هم السبب الرئيسي للنمو السكاني المرتفع نسبيا في البحرين.
تناقش السطور الآتية بشيء من التفصيل جوانب مختلفة من إحصاءات السكان للعام 2004 مع التركيز على ما تمثله من تحد بالنسبة إلى المستقبل الاقتصادي بالنظر إلى بعض المشكلات التي تواجه البحرين وخصوصا البطالة.
عدد السكان 707 آلاف نسمة
بلغ عدد السكان في نهاية العام 2004 تحديدا 707,168 أي بزيادة 17742 فردا عن العام .2003 وجاءت الزيادة على خلفية انضمام 10254 مواطنا بحرينيا فضلا عن 7488 أجنبيا للسكان. وعليه وصل عدد البحرينيين في العام 2004 نحو 438 ألفا يمثلون 62 في المئة من عدد السكان. بالمقابل بلغ عدد الأجانب نحو 269 ألف فرد أي 38 في المئة من السكان.
النمو السكاني 2,6 %
قدر حجم النمو السكاني الكلي للعام 2004 بـ 2,6 في المئة بيد أنه بلغت نسبة النمو 2,4 في المئة لدى أفراد الشعب البحريني مقابل 2,9 في المئة عند الأجانب. بمعنى آخر كان للأجانب دور رئيسي في مستوى النمو السنوي للسكان. المؤكد أن النمو السكاني المرتفع نسبيا ليس بالضرورة في مصلحة البلاد نظرا إلى ما يمثله من ضغوط على المصروفات الحكومية مثل ضرورة إنشاء المزيد الطرقات والمستشفيات وتوفير الكهرباء والماء فضلا عن فرص السكن. ولغرض توضيح النقطة بشكل أدق نشير إلى موازنة العام 2005 المقدرة بـ 1,392 مليون دينار، إذ تم تخصيص 1,047 مليون دينار أي 75 في المئة من المجموع للمصروفات المتكررة والباقي للمشروعات الإنشائية. على سبيل المثال خصصت الحكومة مبلغا قدره 103 ملايين دينار لوزارة الصحة ومركز الشيخ محمد بن خليفة للقلب في المستشفى العسكري بزيادة قدرها 19 مليونا عن المبلغ المخصص في العام .2004
نمو الأجانب بشكل مطرد
إن أكثر ما يلفت النظر في المسألة السكانية في البحرين هو النمو السريع للأجانب على مدى العقود القليلة الماضية. بالعودة إلى التاريخ، شكل الأجانب نحو 17 في المئة من السكان في العام 1950 وارتفعت النسبة إلى 32 في المئة في العام 1981 ثم إلى 37 في المئة في العام 1993 ولم تتغير النسبة بشكل جوهري منذ ذلك التاريخ. مقارنة بدول المنطقة تتطابق نسبة 38 في المئة مع الأجانب الموجودين في السعودية لكنها أقل من نسبة الأجانب الموجودين في دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر. يبقى أن المقارنة ليست بالضرورة صحيحة نظرا إلى اختلاف الأوضاع والتحديات الاقتصادية في البحرين مع الظروف السائدة في الدول الخليجية الأخرى.
والأهم من عدد السكان يمثل الأجانب الغالبية فيما يخص القوى العاملة. تشير الإحصاءات إلى أنه من أصل 321 ألفا، عدد أفراد القوى العاملة هناك 196 ألف أجنبي يمثلون 61 في المئة من المجموع مقابل 125 ألف مواطن "أي 39 في المئة من المجموع". لا شك في أنه أمر غريب أن يشكل الأجانب غالبية أفراد القوى العاملة في البحرين في الوقت الذي هناك آلاف المواطنين في عداد العاطلين. يبقى أنه بمقدور مشروع إصلاح سوق العمل فيما لو قدر له النجاح أن يحد من هذا الوجود غير الواقعي للأجانب في بلادنا، إذ سيتم فرض رسوم عالية نسبيا على العمالة الأجنبية تصل لحد 100 دينار شهريا.
الذكور 58 في % من السكان
يلاحظ أن من أصل 707 آلاف نسمة في العام الماضي بلغ عدد الذكور نحو 407 آلاف فرد مقارنة بنحو 300 ألف عدد الإناث. وعليه فإن الذكور هم الغالبية، إذ يمثلون نحو 58 في المئة من السكان. وإذا كان هناك من سبب فهو بالتأكيد كثرة الأجانب من الذكور.
استنادا لأرقام العام 2004 شكل الذكور نحو 70 في المئة من السكان الأجانب الأمر الذي يخل بالتوازن الديمغرافي للبلاد. المعروف أن الأجانب الذكور يأتون للعمل في البحرين لغرض تأمين لقمة العيش لأحبتهم في أوطانهم. يذكر أن من أصل 438 ألف بحريني هناك 221 ألفا من الذكور مقارنة بـ 217 ألفا من الإناث ما يعني عدم وجود اختلاف فعلي بين الجنسين في أوساط المواطنين. ولاشك أن وجود الأجانب الذكور على حساب الإناث يثير جملة من التحديات الأخرى فيما يخص الوضع النفسي لهؤلاء وللمجتمع البحريني بشكل عام "نأمل أن يقوم أهل الاختصاص من الاجتماعيين بمناقشة هذه الأمور".
الكثافة السكانية
بالأخذ بالمعايير الدولية يمكن القول إن عدد السكان في البحرين يفوق القدرة الاستيعابية لمساحة البلاد. فعند تقسيم عدد السكان "707 آلاف نسمة" على مساحة البحرين "718 كيلومتر مربع" يتبين لنا أن الكثافة السكانية في حدود 985 فردا للكيلومتر المربع الواحد. وتعتبر هذه النسبة واحدة من أعلى النسب في العالم بعد بعض المناطق مثل سنغافورة وهونغ كونغ. أما على مستوى دول مجلس التعاون فيلاحظ أن الكثافة السكانية تقف في حدود 73 فردا للكيلومتر المربع الواحد في دولة قطر وهي ثاني أصغر دول خليجية بعد البحرين "فضلا عن 13 فردا للكيلومتر المربع الواحد في المملكة العربية السعودية التي هي أكبر دول الخليج". ضخامة نسبة الإعالة عند البحرينيين يلاحظ أن البحرين تعاني من ارتفاع نسبة الإعالة "أي عدد الأفراد في القوى العاملة مقارنة بحجم السكان" في أوساط المواطنين. كما أشرنا سلفا بلغ عدد البحرينيين نحو 438 ألفا في العام الماضي. أيضا بحسب أفضل الإحصاءات المتوافرة فيما يخص سوق العمال هناك نحو 125 ألف بحريني في القوى العاملة ما يعني أن كل مواطن بحريني عامل مسئول عن تأمين لقمة العيش لنحو أربعة أشخاص بعد الأخذ في الاعتبار عدد العاطلين وعددهم 20 ألف شخص. بالمقابل في أميركا يوفر العامل لقمة العيش لشخصين فقط. ونريد أن نؤكد أهمية هذه المسألة، إذ إن كل عاطل يتسبب في ضيق المعيشة لأربعة أفراد آخرين. بيد أنه يلاحظ تحجيم للآثار السلبية لموضوع الإعانة على خلفية التماسك العائلي في بلادنا، إذ بمقدور الأبناء والبنات البقاء في منازل عائلاتهم لفترة غير محددة خلافا لما هو الحال في المجتمعات الغربية خصوصا أميركا.
ختاما ان من جملة ما يثيره معدل النمو السكاني المرتفع نسبيا هو التخوف من عدم قدرة الاقتصاد البحريني على إيجاد أكبر عدد ممكن من الوظائف للداخلين الجدد لسوق العمل. تجدر الإشارة إلى أن مشروع سوق العمل يؤكد ضرورة إيجاد 10 آلاف وظيفة سنوية للداخلين الجدد لسوق العمل والعاطلين الحاليين. نتمنى أن تسهم الأرقام والاستنتاجات التي أوردناها في بلورة الأفكار فيما يخص بعض الأمور الحساسة التي تواجه مجتمعنا وفي مقدمتها مسألة الوجود المبالغ فيه للأجانب. ولا شك في أنه أمر غير طبيعي أن يكون هكذا وجود ضخم للأجانب في التركيبة السكانية لبلد مثل البحرين ذات مساحة وثروات محدودة
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 960 - الجمعة 22 أبريل 2005م الموافق 13 ربيع الاول 1426هـ