عندما انعقدت ورشة العمل بشأن الاصلاح الاقتصادي في فبراير/ شباط الماضي طرح مجلس التنمية الاقتصادية نتائج الدراسات التي أجريت بشأن معوقات الاستثمار والتنمية في البحرين. وكان واحدا من تلك المعوقات هو "أخلاقيات العمل"، اذ اشتكى الكثيرمن قلتها في المهن الحرجة. وكذلك الحال مع تقرير التنافسية العربي الثالث الذي صدر في مطلع الشهر الجاري وتم اطلاقه من قبل منتدى دافوس في الدوحة، اذ أشار الى أن واحدا من أسباب تراجع موقع البحرين التنافسي يتعلق بأخلاقية العمل.
وأثناء الحديث مع عدد من أصحاب الأعمال البحرينيين، اشار بعضهم الى أن عددا من شركات القطاع الخاص على استعداد لرفع معاشات الاجانب والاحتفاظ بهم بدلا من الاعتماد على بحرينيين في المهمات الحرجة.
كنت ومازلت أرفض هذه النظرة، لأنني أعتقد أن البحرينيين قادرون على القيام بمهمات أعمالهم، وانهم مثل غيرهم بامكانهم الالتزام بأخلاقيات العمل، من ناحية الأمانة وعدم افشاء الأسرار وعدم خيانة اصحاب العمل. واعتقد ايضا أن مظاهر عدم الالتزام بأخلاقيات العمل، بما في ذلك الخيانات المهنية، بالامكان احتواؤها من خلال مشروعات التدريب التي تتحدث عن مشروع اصلاح سوق العمل ومشروع الاصلاح الاقتصادي.
الكثير ممن مر بتجارب تأسيس نشاطات ومؤسسات تجارية يواجهون حاليا عدم توافر أعداد كافية من المتدربين تدريبا عاليا على القيام بمهمات معينة، وفي الوقت ذاته يلتزمون بكل متطلبات اخلاقيات المهنة. على ان هذه المشكلة ثقافية أكثر من كونها مرتبطة بـ "طبيعة" البحرينيين، كما يصر على ذلك البعض.
عشت في بريطانيا كثيرا من سنوات عمري، وعملت مديرا في شركات بريطانية، ولذلك فانني أستطيع المقارنة بين البريطانيين والبحرينيين. وعند المقارنة، فان الناس هم الناس، لايختلفون في شيء، منهم الحسن "وهم الأكثرية" ومنهم السيئ "وهم الأقلية". ولكن الفرق فيما يأتي:
السيئون - بصورة عامة - ليسوا هم المسيطرون على الامور، بل انهم خائفون وملاحقون قانونيا ولايستطيعون التلاعب بمصير البلاد والعباد. وعليه فان الأكثرية الملتزمة بالاخلاق الحميدة تعطي المجال الاوسع للصعود في مجالات الحياة العامة. ولذلك، فان السيئين عادة يختفون ويهربون ويتركون الأمر لمن حسنت نواياه وأعماله لتطوير الامكانات التي تستفيد منها البلاد.
ثم ان هناك التدريب المستمر والمتطور، بحيث تعلن الشركات برامج التدريب، وتخصص كثيرا من الشركات البريطانية المتقدمة نحو عشرة في المئة من أوقات الدوام لبرامج التدريب المستمر. وعليه، فان احدى الشركات البريطانية التي عملت فيها في التسعينات من القرن الماضي شجعتني على الدراسة "أثناء العمل" للحصول على ماجستير في الادارة، ودفعت كل المصروفات. وهذا كان ديدنهم مع كل الذين يتسلمون مناصب ادارية، بحيث يحضر الشخص عدة دورات متخصصة "تصل أحيانا الى نحو عشرة دورات" سنويا، في مختلف مجالات الإدارة وكل ما يتعلق بالمهنة التي تتخصص فيها الشركة.
لم أسمع كثيرا عن الخيانات المهنية في بريطانيا، وعندما تسألهم لماذا تصرفون كل هذا المال على تدريب أفراد ربما يذهبون الى شركات أخرى، يأتيك الجواب: إن جميع الشركات المتطورة تتنافس على التدريب، ولذلك اذا ذهب من عندنا من هو متدرب، فسيأتينا من هو متدرب أيضا. وفي هذه الحال فان التنافس يكون شريفا ومن دون خوف من انهيار لأخلاقيات العمل، او استغلال لبعض مواقع النفوذ في التنافس غير الشريف
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 960 - الجمعة 22 أبريل 2005م الموافق 13 ربيع الاول 1426هـ