نقلت وكالة الأنباء الألمانية "د ب ا" أمس الخميس خبرا عن إلغاء الرئيس الليبي معمر القذافي زيارته لإندونيسيا بعد رفض طلبه إلقاء خطبة الجمعة في مسجد جاكرتا الكبير. وعلى إثر هذا الرفض ألغى القذافي زيارته لحضور القمة الآسيوية الإفريقية نهاية هذا الأسبوع.
ونقلت وكالة أنباء "أنتارا" عن محيي الدين جنيدي "وهو مسئول مراسم إندونيسي" قوله: "يؤسفنا للغاية أن الرئيس الليبي لا يمكنه الحضور للمشاركة في القمة الآسيوية الإفريقية". وقال إن "السبب الرئيسي لديه هو أن الحكومة الإندونيسية لم تمنحه إذنا بأن يلقي خطبة الجمعة في مسجد الاستقلال".
وكان الرئيس الإندونيسي سوسيلو بامبانغ يودويونو وافق قبل عدة أسابيع على أن يلقي القذافي خطبة الجمعة في مسجد الإستقلال، لكن وزير الشئون الدينية الإندونيسي مفتوح بسيوني لم يسمح بذلك.
طبعا القذافي، هذا الزعيم العربي، كان يطمح إلى إحلال "الجماهيريات" مكان "الجمهوريات"، والذي قاده تفكيره الواسع الأفق إلى فكرة الاتحاد الإفريقي متجاوزا فكرة "الجامعة العربية المحنطة". وطالب بلغة الفلاسفة الكبار في القمة العربية الأخيرة في الجزائر "العرب الآسيويين" إلى الانضمام إلى إخوانهم "عرب إفريقيا" ليعيشوا في "الفضاء الإفريقي" العظيم، انتهى به الطموح إلى مجرد طلب "خطبة" في مسجد الاستقلال بجاكرتا، فلما لم يعط طلبه رفض حضور القمة الآسيوية الإفريقية مفضلا مقاطعتها على عدم إمتاع المؤتمر بخطبة تضاهي خطبته في الجزائر، التي نهنهت عن قلوب ملايين العرب وأذهبت عن قلوبهم بعض الهموم، حين شاهدوا العقيد معمر القذافي يخلع ثوب العسكري ليلبس قميص الفيلسوف الناصح الأمين.
الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، السياسي المخضرم من جيل الستينات، لم نفهم سر موافقته على خطبة القذافي الاستراتيجية، إلا بعد إعلان تسديد ليبيا المستحقات المالية المترتبة على جامعة الدول العربية... فالسياسة كياسة، وإذا عرف السبب بطل العجب!
وزير الشئون الدينية الإندونيسي مفتوح بسيوني، ارتكب عدة أخطاء "استراتيجية"، سامحه الله وغفر له ولوالديه، فهو من جانب لم يستجب لرغبة زعيم عربي كبير، ووقف حجر عثرة في تحقيق أمنية عزيزة على قلبه. الخطأ الثاني، انه حرم 260 مليون عربي من الاستمتاع بمتابعة خطبة جديدة تذهب عنهم بعض الكآبة وتروح عن نفوسهم المحزونة ولو لساعة من الزمان. الخطأ الثالث، بل لنقل الخطيئة الثالثة، كيف يقف بوجه قرار رئيس الدولة الذي أعطى موافقته على خطبة القذافي، ومن يظن نفسه؟! بل كيف يضعها فوق رئيس الجمهورية الإندونيسية العظمى؟ هل نسي أنه مجرد "وزير للشئون الدينية" في حكومة سوسيلو بامبانغ يودويونو؟
عجيب أمر سعادة الوزير مفتوح بسيوني! فهل يعلم بأن القذافي إذا زار دول غرب إفريقيا أفسحوا له المجال ليرتقي منابر جوامعها ويلقي خطبا دينية عصماء، فلماذا يرفض ارتقاء القذافي منبر مسجد الاستقلال في جاكرتا؟ وزير الشئون الدينية في بنين لم يرفض قرار رئيسه بالسماح للقذافي، وكذلك وزير الشئون الدينية في السنغال وبوركينا فاسو، فلماذا يرفض سعادته هذا المطلب المشروع والمتواضع والبسيط؟ وهل يظن أن منبر جاكرتا من الذهب الخالص ومنابر الأفارقة من الحطب والخارصين؟
ربما يحتج بسيوني على عدم إجادة الزعيم العربي للغة الإندونيسية، ولكن القذافي يعرف لغات غرب أفريقيا، ومع ذلك لم تكن هناك مشكلة في بنين والسنغال وبوركينا فاسو، فلماذا يخلق الوزير بسيوني مشكلة للقذافي في جاكرتا بسبب اللغة؟! ثم إن هناك 260 مليونا سيتابعون الخطبة أكثر مما يتابعون خطب الجمعة في مكة وبغداد والقاهرة والرباط، فلماذا يحرم هذه الملايين من هذه الخطبة التاريخية؟
سعادة الوزير مفتوح بسيوني، بكل الحب والتقدير، أرجو أن تعيد التفكير في قرارك الخاطئ، واستغفر لذنبك إنك كنت من الخاطئين
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 959 - الخميس 21 أبريل 2005م الموافق 12 ربيع الاول 1426هـ
