تأتي دعوة الأخ خالد الخاجة، أحد القائمين على جامع السيف، لحضور ندوة بعنوان: الوحدة الإسلامية في مفهوم آل البيت "ر" والتي يلقيها سعود الهاشمي، الأستاذ بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة والشيخ حسن قارئ الحسيني الأستاذ بالمعهد الديني، في وقت لا نجد فيه من يستمع لصوت "العدل مع من نحب ومن لا نحب"، وهناك من يحاول أن يخنق هذا الصوت، تارة بالاتهام والقذف العلني والتشهير والتشكيك بالمعتقدات الشخصية، وتارة أخرى بأن فلانا "محسوب على طائفته" وبالتالي مشكوك في مآربه. .. إلخ.
من المفترض بي ككاتب أن أتحدث عن محاور الندوة، ولكني سأؤجل الحديث عن ذلك، وسأتحدث عن الوجه المظلم والمكفهر من اختلافاتنا وخلافاتنا وعصبيتنا وجنوحنا في إقصاء ونفي وتكفير الآخر، إن استدعى الأمر! وهو جانب يتمظهر في الشدة والاشتداد بين اتباع المذهبين "السني والشيعي"، فإنه يكفي لكي يصيبك الدوار والتقيؤ والتقزز، إبحارك على الشبكة العنكبوتية "الانترنت" لترى ما يدور فيها من معارك ضارية بين اتباع المذهبين! ولا أجد تعبيرا أو وصفا لهؤلاء سوى أنهم مراهقون فكريا وإيديولوجيا ومذهبيا، يتسللون لعقول الشباب ويشغلوهم عن شئون تحصيلهم العلمي ودراستهم وشئون عملهم المهني، في ترهات وأمور لا تعدو عن كونها مسلمات بالنسبة إلى من يعتقد بها.
في معرض البحرين للكتاب، في العام الماضي، كانت لي وقفة مع أحد أنواع المراهقة الفكرية، إذ كنت واقفا بجانب صديقي اللبناني صاحب المكتبة، وجاءت إحدى الأخوات، وهي في سن المراهقة، وإذا بها تسأل عن الكتاب المعروف "ثم اهتديت" فأجابها صديقي اللبناني لا يوجد فعادت أدراجها، حينها سألت الصديق اللبناني: هل تعرف ما هو هذا الكتاب؟ فأجاب لا، فرويت له قصة الكتاب من الألف إلى الياء، إذ إني حفظتها عن ظهر قلب تقريبا، وذكرت له أيضا انه قبال هذا "الأخ المهتدي" قام أخ آخر بتأليف كتاب ردا على هذا الكتاب وسماه: "بل ضللت"، وسألت صديقي اللبناني: ما رأيك في هذا الفلتان الطائفي؟ فأجاب بلكنة لبنانية: "عدنا وعدكو خير" وتساءل مازحا أيهما المهتدي وأيهما الضال؟!
ولتجنب المنغصات ومن أجل ردم الهوات بين مختلف المذاهب، والتهيئة للمستقبل الذي ينتظر الأمة المحمدية، لابد من العمل على إعادة صوغ مفهوم جديد لإدارة اختلافاتنا المذهبية، والانتقال من الفكرة إلى التطبيق، ومن الإيمان بفكرة التعايش السلمي/ الأهلي بين الطوائف وحق الآخر في الاختلاف معنا، إلى تطبيقات لهذه المبادئ في واقع الناس المعاش.
إن دعوة الإخوة القائمين على جامع السيف هي مناسبة عزيزة على النفس، ودعوة جديرة بتلبيتها، إن شاء الله، والندوة التي ستقام هي ندوة لها أهميتها وتحمل في طياتها التعقل المطلوب لحسن سير عجلة النماء والرخاء والابتعاد عن دعوات التضاد والتنابز والتنافر وتنقية النفوس من الحقد والضغينة، واستضافة المشايخ من أبناء الطائفتين هو دليل على نقاء سريرة القائمين عليها، ومحاولة منهم لإيجاد مخرج للواقع المر الذي نعيشه. ويبقى السؤال: "متى يتمظهر وعي مختلف عما هو قائم اليوم؟ من نفي للآخر واستعداء مؤدلج في النفي والإقصاء وبث الحقد والكراهية بين أبناء الوطن الواحد والأسرة الواحدة... التي نلوكها أهزوجة ليل نهار ولا نطبق قدرا يسيرا منها في الواقع المعاش!"
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 958 - الأربعاء 20 أبريل 2005م الموافق 11 ربيع الاول 1426هـ