تستخدم واشنطن الكثير من الأساليب لتمرير مشروعاتها السياسية، منها الضغط على الأنظمة للموافقة على توقيع اتفاقات أمنية واقتصادية تخدم استراتيجيتها العامة، أو ابتزاز الأنظمة وتهديدها بالقوة العسكرية أو الحصار الاقتصادي أو فتح ملفات حقوق الإنسان إذا لم توافق على مخططاتها. فإذا وافقت حذف اسم الدولة من لائحة المطلوبين، وإذا رفضت وضع اسمها ضمن اللائحة.
الموضوع في النهاية ليس له علاقة بالديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان وتمكين المرأة بقدر ما له صلة بالسياسة العامة للولايات المتحدة. فإذا رضخت الدولة المعنية للشروط تغض واشنطن النظر عن تجاوزات النظام "ليبيا مثالا"، وإذا رفضت الاستجابة تبدأ سيمفونية دولية بالعزف على أوتار الديمقراطية وحقوق الإنسان والأقليات والمرأة وغيرها من نقاط يمكن أن تستخدم كنوافذ للاختراق والتدخل في الشئون الداخلية.
المسألة في النهاية سياسية وليست أخلاقية ولها صلة بمدى استجابة الدولة للرغبات الأميركية واستعدادها لتلبية الشروط التي تمليها واشنطن على مختلف الأصعدة.
النظام الإيراني مثلا يقوم على قواعد دستورية ويعتمد مبدأ الانتخابات التشريعية، وهناك نظام رئاسي محكوم بعقد دورة كل أربع سنوات ويجدد للرئيس المنتخب مرة واحدة. فمن الناحية الشكلية تعتمد إيران مبدأ تداول السلطة وتخضع قرارات الحكومة لنقاشات نيابية ولا تبدأ بتنفيذها قبل إقرارها من البرلمان. ومع ذلك تتهم أميركا النظام بالدكتاتورية والاستبداد وتقاطعه سياسيا واقتصاديا وتضغط على أوروبا للتعاون معها لإسقاطه أو محاصرته لإضعافه من الداخل بغية إثارة الفتن الأهلية وزعزعة استقراره. والسبب في السلوك الأميركي يعود إلى سياسة النظام واختلافه مع توجهات واشنطن وإدارتها لأزمات المنطقة.
مقابل ذلك هناك أنظمة سيئة تدعي الالتزام بالديمقراطية وتعتمد توجهات جمهورية ولكنها لا تحترم الدستور ولا تتداول السلطة وتفرض سيطرتها الحزبية لمدة سنوات طويلة "تونس مثالا"، ولكنها تحظى بالدعم والمساعدة والتغطية من إدارة البيت الأبيض. والسبب يعود أيضا إلى سياسة النظام الموالية ولا علاقة للديمقراطية وحقوق الإنسان بالموضوع.
هناك أمثلة كثيرة يمكن تقديمها كنماذج يومية على السلوك الأميركي المزدوج في معاييره بما فيها تلك المتعلقة بمسألة المرأة وموقعها ودورها أو في موضوع الحريات وما يتبعها من حقول لها صلة بالصحافة أو الأقليات أو الأحزاب. ففي كل دولة تتبع الولايات المتحدة سياسة تختلف عن الدولة الأخرى في النقاط المثارة نفسها. وكل سياسة لها صلة بمصالح واشنطن ومدى التزام هذا النظام أو ذاك بالشروط الأميركية وتلك الإملاءات التي تفرضها إدارة البيت الأبيض، فإذا التزمت تلك الدولة بالتوجهات العامة لسياسة جورج بوش حذفت من لائحة المشطوبين "المطلوبين"، وإذا رفضت الاستجابة وضعت في قائمة الملاحقين من قبل "النظام الدولي".
لكل "مقام مقال". هذا هو جوهر سياسة واشنطن. فالمسألة لا علاقة لها بالأخلاق وإنما بالمصالح. حتى إن "مقال" واشنطن يختلف بين دولة ودولة في قضايا تتعلق بالحريات الفردية. فإذا كان الفرد من "الإسلاميين" وتعرض للملاحقة والاضطهاد والتعذيب، أشاحت واشنطن وجهها وتجاهلت الاحتجاجات. بينما إذا كان الفرد من المحسوبين عليها "سعدالدين إبراهيم في مصر مثلا" ثارت واحتجت وهددت بقطع المساعدات... إلى آخر القصة المعروفة.
حتى مسألة "الأقليات" فإن مقالات أميركا في الموضوع متعارضة. فلكل "أقلية" حساباتها. والحسابات في النهاية تتصل بالمصالح وليس بالمبادئ. فإذا كانت الأقلية أميركية التوجه "جنوب السودان مثلا" تحركت واشنطن لحمايتها، وإذا كانت ضد التوجهات الأميركية "جماعة الحوثي في اليمن مثالا" تركت واشنطن الموضوع يأخذ مجراه المحلي من دون اكتراث.
هناك الكثير من الأساليب تستخدمها واشنطن لتحقيق أغراضها العامة، ولكنها في النهاية متفقة على مبدأ واحد: المصالح أولا
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 958 - الأربعاء 20 أبريل 2005م الموافق 11 ربيع الاول 1426هـ