على كثرة ما كتب عن هذه الجماعة الا أن الدراسات الجادة في هذا الباب قليلة بل تكاد تكون نادرة. وكتاب فؤاد معصوم "اخوان الصفا فلسفتهم وغايتهم" يعتبر جهدا بحثيا كبيرا بالنظر الى الطريقة المتميزة التي قام بتأسيس بحثه عليها، فقد كان المنهج الذي اعتمده في هذا الكتاب يتلخص في خطوات.
الخطوة الأولى: القراءة المتأنية والدقيقة لرسائل اخوان الصفا. الثانية: ترتيب الأفكار والآراء الواردة في جميع الرسائل وتصنيفها وتبويبها. الثالثة: الوصول الى الصورة الكاملة لرأي اخوان الصفا في كل موضوع بعد الدراسة التفصيلية لكل النصوص ذات الصلة بالموضوع.
اذ لم يقتصر هذا البحث فقط على مجرد العرض التحليلي لآراء اخوان الصفا الفلسفية بل تعداه الى البحث عن مصادرهم الفكرية في الفلسفة اليونانية وخصوصا الأفلاطونية المحدثة لما لتلك الفلسفة من تأثير خاص على الفكر الفلسفي الاسلامي عموما. كما تطرق البحث الى مدى تأثر اخوان الصفا بآراء من سبقوهم من الفلاسفة المسلمين وخصوصا الكندي والفارابي من خلال مقارنة آرائهم بآراء هذين االفيلسوفين العظيمين، لان التتبع والبحث عن المصادر الفكرية لهذه الجماعة وتلك الدراسة المقارنة يحددان مكانتهم الفكرية ينتهيان الى جلاء الحقائق في صورتها الكاملة. اضافة الى ذلك فقد تناول البحث اخوان الصفا بمقاييس عصرهم وتحديد موقعهم في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في العاشر الميلادي وموقفهم من الظواهر السائدة في مجتمعهم.
ويؤكد الباحث أنه لا يوجد في تاريخ الفلسفة الاسلامية جماعة اختلف الباحثون قديما وحديثا في حقيقتها ومذهبها ودورها في الحياة الفكرية كاختلافهم في حقيقة اخوان الصفا، ومواهبهم ودورهم، فمن الباحثين من ينظر اليهم نظرة شك أو عداء ومنهم من ينظر اليهم نظرة اعجاب وتقدير ويرى فيهم رواد فكر ودعاة اصلاح ومنهم من يحسبهم على الشيعة ويحدد الموقف منهم مسبقا بشكل غير موضوعي ومنهم من يزعم أن رسائل اخوان الصفا من تأليف الأئمة ويرفعها الى مستوى الكتاب المقدس. وهذا الأمر هو دافع الباحث الى محاولة التعرف على الرأي الصحيح في أمرهم في محاولة لجلاء حقيقتهم وايضاح مذهبهم وتحديد اتجاهاتم ودورهم في مجال الفكر خصوصا وأن جماعة اخوان الصفا جماعة أثير عنها من اختلاف الرأي الشيء الكثير كما أن منهج الاخوان في طرح آرائهم وأفكارهم وأسلوبهم في تناول تلك الآراء والأفكار وعرضها أسلوب غريب ليس في عصرهم فحسب بل حتى في العصور اللاحقة