مساء الخميس الماضي، اجتمع أعضاء الجمعية العمومية لجمعية العمل الإسلامي في مقر جمعية المهندسين بالجفير. كان عدد الحضور يناهز ،400 من بينهم ضيوف مدعوون من جمعيات أخرى، وشارك في التصويت 290 فردا، لانتخاب مجلس الإدارة الجديد. ولفت النظر حضور العنصر النسائي الذي شكل ربع عدد الحضور تقريبا.
رئيس الجمعية الشيخ محمد علي المحفوظ، ألقى كلمة متوازنة تطرق فيها إلى الوضع السياسي العام، تضمنت إشارة إلى ما أنجزته الحكومة في العهد الجديد من باب "ولا تبخسوا الناس أشياءهم". المحفوظ هو الصوت الأبرز بشخصيته وشعبيته وحضوره الدائم في الساحة، فضلا عما يتمتع به من حديث طلق ولباقة، فلا غرابة أن يحصد النسبة الأكبر من الأصوات.
بعد الانتهاء من جمع الأصوات، تقدم إلى منصة الحديث مرتضى بدر "رئيس مجلس بلدي العاصمة"، وتكلم بلهجة فيها نوع من الحدة، منتقدا خلو أحاديث المرشحين من أي برنامج انتخابي لغالبية المرشحين عدا اثنين. وفي نهاية حديثه حاول أن يلطف الجو فأطلق نكتة من النوع السريع الطيار!
الجمعية وارثة خط حركي إسلامي قديم، عانى الكثير من العنت والملاحقة والمطاردة حتى وراء الحدود. وعندما بدأ عهد الانفتاح السياسي، وفي ظل مراجعة الاطراف المختلفة لمواقفها، عادت كوادر هذا التيار إلى الوطن وهم يحلمون بالتغيير وزوال مرحلة الكبت إلى الأبد، وخصوصا انهم أكبر المتضررين في أحلك سنوات القمع وسطوة أمن الدولة. لذلك تجد لديهم موقفا يميل إلى التصلب في المواقف الوطنية وما يتعلق بالحريات.
هذا الخط بعد العودة، أصبح خطوطا، من السهولة أن تلاحظها عند التدقيق في المواقف بين رموزه. وأحد المآخذ على هذا التيار ارتباطه الفكري برموز مرجعية يوليها الكثير من التقدير قد تصل إلى حد التقديس. وهو أمر قد يعتبره أبناء الخط مدحا، بينما يعتبره آخرون نقيصة يجب أن يتجاوزها التيار. ومثل هذا النقد سمعته من بعض الوجوه التي رافقت التيار في تقلباته المختلفة منذ أيام الضغط والملاحقة حتى عهد الانفراج السياسي.
مثل هذه الانتقادات بدأ يصرح بها بعض أبناء الحركة من جيل "المخضرمين"، ففي مساء الخميس الماضي سمعت البعض ينتقد بشدة مواقف قام بها البعض وتورط بها التيار كله. الخلفية التي زادت وضع التيار تعقيدا، ربما لا تخطر على بال غير المتابعين، وهي الانشغال بقضايا فرعية وهامشية من قبيل الدخول في مناقشة تفاصيل مراسم موسم العزاء في العاصمة، وهو أمر غير مجمع عليه داخل التيار. موقف المؤيدين لمثل هذه "الانشغالات" ينطلق من منطلقات دينية أحيانا، ومن مواقف يعتبرونها من المبادئ المتعلقة بحرية التعبير وممارسة الحرية العقائدية، بينما يتحفظ آخرون على ذلك من باب المحافظة على الوحدة أو حتى لأسباب دينية أيضا، ففي الدين هناك قراءات مختلفة للقصة الواحدة.
هذا الأمر الهامشي اتخذ حيزا أكبر من حجمه في الشارع وفي تفكير جزء من أبناء التيار، خصوصا من الجيل الشاب، فاثنان من هذا الجيل الجديد "طالب جامعي في العشرينات وموظف في الثلاثينات من عمره" استوقفاني لمناقشة رأي معارض لبعض الممارسات نشرته في وقت سابق، وكان يبدو عليهما الحماس الشديد في دفاعهما عما يعتبرانه واحدا من أهم قضايا العقيدة، وهو ليس كذلك حتما. ما تركه حديثهما من انطباع لا يدعو للتفاؤل في المستقبل، إذا تحول أحد التيارات السياسية طوعا للإنشغال بالقضايا الصغيرة. وهو ما دفع أحد أعضاء الإدارة إلى القول ان أخطاء "التيار" في الشارع تنعكس على الجمعية، وأشار إلى جهود المحفوظ الكبيرة في إبعاد تفاصيل موضوع "الشعائر" عن العمل السياسي للجمعية، ولذلك كان يردد باستمرار "إن خيارنا مع الوفاق".
إجمالا، هذا التيار انكفأ على نفسه، سواء لضعف أداء الإدارة السابقة، أو لانشغال العائدين بترتيب حياتهم المعيشية الصعبة بعد سنوات الغربة الطويلة، ليكتشف بعد أربعة أعوام من العودة إلى الوطن انه على هامش الحراك السياسي، وهو ما عبر عنه بعض القياديين الذين طالبوا الإدارة الجديدة بتحرك فاعل يتناسب مع تاريخ وتجربة الجمعية وثقلها السياسي، لئلا تكون مجرد تابع على هامش التجمع الرباعي.
النبرة نفسها سمعتها من أحد أعضاء مجلس الإدارة حين طالب بتفعيل الحضور اجتماعيا وثقافيا، فليس هناك ما يمنع من تنظيم المسرحيات والتمثيليات وغيرها من أنشطة وفعاليات ثقافية تحتاجها الساحة. ولو تحقق ذلك لأفادت الساحة من كوادرها بما تختزنه من عطاء كبير.
الإدارة الجديدة ستجد نفسها أمام السؤال الكبير: هل ستشكل انتخابات جمعية العمل الإسلامي الأخيرة نقطة انطلاق أم سنشهد مرحلة أخرى من "الانشغال" بالهوامش الصغيرة والإنكفاء على الذات؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 957 - الثلثاء 19 أبريل 2005م الموافق 10 ربيع الاول 1426هـ