تصاعدت في الآونة الأخيرة نداءات المعارضة السورية تطالب السلطات القيام بخطوات من شأنها إعادة ترتيب السياسة السورية في توجهاتها الداخلية والخارجية، ويشارك في هذه المطالب معارضون سوريون في داخل سورية، وآخرون يقيمون في الخارج، وأهم ما ركز عليه المعارضون من مطالب في الآونة الأخيرة، كان انسحاب سورية من لبنان بفعل ما جره الوجود السوري هناك وخصوصا بعد القرار الدولي 1559 واستشهاد رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري إذ أدى كل ذلك إلى تداعيات على سورية لها أبعاد داخلية وخارجية.
غير انه وفي سياق دعوات المعارضين السوريين لانسحاب سورية بقواتها ومخابراتها من لبنان، ظهر اسم له كثير من الخصوصية، هو فريد الغادري الذي ظهر حديثا في مناسبتين، كانت الأولى في اجتماع عقد في وزارة الخارجية الاميركية بواشنطن نهاية مارس/ آذار الماضي، والثاني بعده بأيام أمام البرلمان الاوروبي في بروكسل.
إذا من غير الجائز أو المقبول مصادرة حق أي شخص في اعلان موقف ما، فقد يكون من المهم التوقف، ليس عند تصريحات فريد الغادري فقط، إنما عند الشخص نفسه وما يمثله في الواقع السوري من جهة، وموقعه من المعارضة في جهة ثانية.
وفريد الغادري، كما تشير مختصرات السيرة الشخصية، مواطن أميركي من أصول سورية، مولود في حلب عاصمة الشمال السوري في الواحدة والخمسين من عمره، استقر في بداية الثمانينات في الولايات المتحدة، إذ درس وتخرج من الجامعة الأميركية في واشنطن، وحصل على الجنسية الاميركية، وعمل في عدد من الشركات الأميركية، قبل أن تهبط عليه بصورة مفاجئة ثروة طائلة، ويصبح ضمن فئة كبار رجال الأعمال في أميركا.
وانتقل الغادري من قطاع رجال الأعمال الى ميدان العمل السياسي بعد هجمات سبتمبر/ أيلول ،2001 ومن دون ان تكون له أدنى صلة بسورية والسوريين فيها، أسس "حزب الاصلاح السوري"، متبنيا العمل على بناء سورية على أسس "الديمقراطية الليبرالية"، طبقا لأهداف الحزب من خلال تشكيل برلمان ومجالس تشريعية وتنفيذية بالمحافظات السورية في مقاربة للنظام الفيدرالي الأميركي.
وحاول الغادري ان يوسع حدود حركته السياسية لتتجاوز الحجم المحدود عدديا وسياسيا لحزبه في أوساط الجالية السورية التي يتجاوز عددها في الولايات المتحدة المئتي ألف نسمة، وهي من أغنى الجاليات العربية هناك، فنظم على مدار الأعوام الأربعة الماضية سلسلة اجتماعات في واشنطن وبروكسل لجماعات سورية أنشأها معارضون في الخارج، ولكن الاجتماعات لم تصل الى مشتركات سياسية لأسباب في مقدمتها العلاقات الوثيقة التي تربط بعض تلك الجماعات بالأجهزة الأميركية، ومنها حزب الغادري بحسب أقوال بعض الذين شاركوا في تلك الاجتماعات، وهي علاقة لا ينفيها فريد الغادري.
ان الأبرز في تلك الاجتماعات اجتماع عقد في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2003 ضم مسئولين في وزارة الدفاع الأميركية، وبعض رموز معارضة الخارج بينهم فريد الغادري زعيم حزب الإصلاح السوري، وفراس قصاص من حزب الحداثة والديمقراطية لسورية، وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني توفيق حمدوس، وزعيم الحركة السريانية جان عنتر وآخرون، كان هدفهم تقديم انفسهم الى الاميركيين بحسب المصادر التي تابعت الاجتماع.
وثاني أبرز تلك الاجتماعات، تم عقده نهاية مارس 2005 بواشنطن بناء على طلب قدمه للادارة الاميركية حزب الاصلاح برئاسة فريد الغادري، وضم الوفد كلا من حسام الديري وهو طبيب أسنان في شيكاغو، وموفق بن المرجة "صاحب صحيفة الزمان" ومحمد خوام "طبيب" وزهدي الجاسر "طبيب" وسلمى الديري "دكتوراه في الهندسة المدنية"، وبسام درويش "كاتب ورجل اعمال" ونجيب غضبان "من جامعة اركانسو"، إذ قابلوا وفدا اميركيا يضم كلا من ابنة نائب الرئيس ليز تشيني "من وزارة الخارجية"، وسكوت كاربتنر وجون هانا من مكتب نائب الرئيس تشيني "مسئول من الشرق الأوسط" وديفيد شينكر من وزارة الدفاع "مكتب نائب الوزير" ومسئول شئون "إسرائيل" وسورية ولبنان، وروبرت بنين من مكتب اليوت ابرانر مساعد مستشار مجلس الأمن القومي لشئون الشرق الأوسط، وميليسا راسل التي كانت تسجل كتابة محضر الاجتماع.
وكان موضوع الاجتماع، تقديم تصورات ومطالب لخصها الغادري في حديث صحافي بالقول "أكدنا لهم اننا نمثل طوائف وشرائح اجتماعية مختلفة تلتقي حول الديمقراطية. واستمعوا إلينا باهتمام كبير، وطرحوا أسئلة كثيرة". وأضاف "جرت مراجعة للوضع في سورية"، وطلبنا "تأكيد اعلان واشنطن دعمها لقوى الاصلاح في سورية والدعوة للديمقراطية والحرية للشعب السوري". وأوضح انه اقترح قيام بوش بمخاطبة السوريين والمطالبة بالحرية والديمقراطية في بلادهم، والضغط على الحكومة السورية للافراج عن المعتقلين السياسيين والمدافعين عن حقوق الانسان، وحض الأميركيين على المساعدة في معاقبة "المسئولين عن المجازر" من سياسيين وأمنيين، واشار الى ان حزبه يعتزم اقامة دعاوى على بعضهم. وأمل في ان تعمل واشنطن على ايصال هؤلاء الى محكمة العدل الدولية.
والجانب السياسي في نشاط فريد الغادري وجد له دعما في نشاطات اخرى، ولاسيما على الصعيد الإعلامي، إذ أقام إذاعة "صوت سورية الحرة"، مدعمة بموقع الكتروني يعمم رسائل بريدية الكترونية في سورية وخارجها، وهذه المزايا مضافة الى بعضها جعلت من الغادري مدعوا الى التحدث امام البرلمان الاوروبي في بروكسل في الثلاثين من مارس ممثلا للمعارضة الى جانب رسميين سوريين للنقاش في اتفاق الشراكة السورية - الاوروبية الذي وقع بالأحرف الأولى بين الطرفين قبل أشهر، هدفه إقامة علاقات تجارية واقتصادية وسياسية أوروبية - سورية أوثق، تقترن مع تحسين أوضاع حقوق الإنسان والديمقراطية في سورية. وطالب الغادري البرلمان الأوروبي بعدم المصادقة على الاتفاق الى ان يتم الاصلاح في سورية، لأن "سورية فشلت في الوفاء بجوهر المعايير السياسية وحقوق الانسان التي يحددها الاتفاق". وقال ان "تأخير المصادقة سيجبر سورية على الانفتاح وتحسين وضع حقوق الانسان".
الغادري فيما يقوم به، يحاول ان يكون نسخة منقحة من معارض الخارج العراقي احمد الجلبي الذي دخل العراق تحت العلم الاميركي، ولكن السؤال المهم اذا كان الغادري في ذلك، يحاول ان يتجاوز ثغرات الجلبي، او انه يدرك فعلا ان الحال السورية غير حال العراق على رغم ان البعث هنا يشبه البعث هناك، وان الإدارة الاميركية في 2003 و2005 ذاتها، وان غيرت بعض السياسات
العدد 956 - الإثنين 18 أبريل 2005م الموافق 09 ربيع الاول 1426هـ