كان قراقوش قائدا تركيا مغمورا في جيش صلاح الدين، ابتلي به الشعب المصري دهرا. بداية مجيئه إلى مصر اعتقد المصريون انه قائد محنك صاحب عبقرية من النوع الفريد، ولكن كلما طالت إقامته بينهم كلما تكشف عن جبن وخور وخواء ثقافي شديد، حتى أصبح نموذجا للتفاهة العسكرية في العالم العربي.
ولأن الشعب المصري معروف بروح النكتة والدعابة يقاوم بها ما يحيق به من ظلم وعسف وجور، فإنه نسج الكثير من القصص حول هذا الشخص الشوفيني الفارغ. من بين هذه القصص تستوقف القارئ قصص البقال والمرأة الحامل والرجل القصير. أما الرجل الأول فقد ارتفع ضغطه وتوقف قلبه بسبب ضغوطات البطالة وما يلقاه من مضايقات الشرطة في سوق الخضار، فحمله الناس إلى المقبرة ظنا منهم بأنه مات، ولكنه فاق من غيبوبته فوجد نفسه فوق أعناق الرجال، فأخذ يصيح من فوق النعش مستغيثا بقراقوش، فأجابه الأحمق: تريدني أن أصدقك وأكذب كل هؤلاء الناس؟
أما الحامل فقد اعتدى عليها جنسيا أحد جنود قراقوش، وكانت في شهرها السابع فأجهضت، فحكم عليها بالطلاق من زوجها ليتزوجها الجندي الشريف لتحمل منه حتى إذا بلغت الشهر السابع طلقها لتعود إلى زوجها الأول! جنين بجنين... والبادي أظلم!
أما الرجل القصير، فقد ساقه قصر قامته مصادفة إلى حتفه! فقد حكم العبقري قراقوش على مجرم بالإعدام، وعند التنفيذ اكتشف انه أطول من حبل المشنقة، وبما أن الحكم لابد من تنفيذه، ولأن الحبل لا يمكن تقصيره، فكان لابد من رجل يناسب المشنقة! وكان يمر مصادفة في تلك الحارة رجل قصير، فجذبه قراقوش من ضبعه وعلقه على المشنقة... ليلفظ الفقير أنفاسه شنقا وهو لا يدري جريمته!
جماعة من المصريين اجتمعوا على بابه بعد أن فاض بحماقاته الكيل لينصحوه، لعله يرعوي عن غيه وغبائه، فصاح: "كلكم أغبياء، من أنتم لتردوا على قراقوش أحكامه، اخرجوا فأنا الحكيم الرشيد". حماقات ذات ألوان أبدع خيال المصريين في إضفاء التوابل عليها، ولكثرتها تشجع أحد كتاب العصر الوسيط على جمعها في كتاب أسماه: "الفاشوش في حكم قراقوش".
وطبيعي أن لا يقبل قراقوش ردا ولا نقدا، بعد خمسين عاما من الخدمة العسكرية، فمثل هذه التربية "المخابراتية"، ومثل هذه النفسية الشوفينية التي تحتقر كل أبناء الشعب، ومثل هذه الظروف التاريخية المتخلفة، تنبت الطغاة والمستبدين عبر العصور. تنصح أحدهم أساء في كتاباته إلى شعب كامل فتأخذه العزة بالإثم، تقول له: "لا يجوز أن تصف نساء البحرين بالدجاج" ، فيقول: "كيفي... هذه مشكلة عالمية"! تقول له: "لا يجوز أخلاقيا أن تصف الأطفال جيل المستقبل بالفراخ، فهذه لغة شوارع"، فيقول: "بل هذه حرية تعبير"! تقول له: "أنت شيخ عجوز، لا تليق بك مثل هذه المسلكية المراهقة وأنت على أبواب القبر، احفظ شيبتك"، فيرد بوقاحة: "كلكم أغبياء"!
لا غرابة أن ينبت لنا الوسط الإعلامي المشبع بـ "ثاني أكسيد أمن الدولة" مثل هذه الطواغيت المصغرة، من أبرز صفاتها الاستعداد التام للعبث بالقيم وتحدي المبادئ والأديان والرسل، والاستهزاء بأقوال الأنبياء، فالحديث المتواتر: "تناكحوا تكاثروا فإني مباه بكم الأمم"، أصبح على أيدي هؤلاء العجزة: "تناكحوا وفرخوا"، في صورة تنبيك بما بلغته الوقاحة "الليبرالية" من درجة اللارجعة بمناطحة الجدار.
ليس متوقعا أن يعتذر مثل هؤلاء الفراعنة الصغار، لأنهم لم يعتادوا على ثقافة الاعتذار، فهم لا يملكون غير كلمة واحدة: "آنه ليبرالي"! حتى أصبحت الليبرالية بممارسة هؤلاء الحمقى تعني الفوضوية والانحلال وتهريب قوارير الخمر تحت البشت وهم يتنقلون بين مطارات الخليج! تسقط القارورة فتنكسر وتفوح الرائحة وينكشف المستور!
ومرة أخرى: نريدهم أن يتشجعوا مرة واحدة فيتحدثوا عن "التجنيس"، لا تخافوا، ليس هناك "قانون أمن دولة" هذه الأيام، لن يعتقلكم أحد، فقط تحدثوا عما ستتركه سياسة التجنيس على أوضاع البلد، وما ستسببه من بطالة مضاعفة، وزيادة جرائم وسرقات ومخدرات... فالبحرين ليست سويسرا، وجنيف ليست المنامة أو المحرق أو الزلاق.
كتابات خاوية على حافة الإفلاس، وأزمات الشعوب لا تحل على طريقة الجاهليين في وأد البنات. وشعب البحرين لا يحتاج إلى قراقوشات بذيئة يجلدونه كل صباح. طالبناه بالإعتذار للشعب الذي وصفه بالدجاج والفراخ فأساء إلى النبي محمد "ص" بتحريف كلماته، ونطالبه اليوم بالإعتذار للرسول، ونحن واثقون ان المقال القادم سيتطاول فيه على رب السماء
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 956 - الإثنين 18 أبريل 2005م الموافق 09 ربيع الاول 1426هـ