في بحثه عن الديمقراطية في "الشرق الأوسط" اكتشف المستشرق برنارد لويس ان "إسرائيل" هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في المنطقة. وبرر لويس المؤيد للسياسة الإسرائيلية اكتشافه ذاك بالعودة إلى الأصول التكوينية للدولة. و"إسرائيل" برأي هذا المستشرق دولة أوروبية مزروعة في "الشرق الأوسط" وهي لا تنتمي إلى تاريخ المنطقة وثقافتها.
برأي لويس ان الديمقراطية ظاهرة أوروبية وهي تتصل تاريخيا بالثقافة الأوروبية وتاريخ القارة وشعوبها وبما ان "إسرائيل" تشكلت سكانيا من شعوب أوروبية جاءت من تلك القارة وأسست دولتها في فلسطين فهي جذبت أو جلبت معها بطبيعة الحال ثقافة تلك المنطقة وتاريخها السياسي المتصل بفكرة الانتخاب وتداول السلطة.
هذا التفسير العنصري للديمقراطية قاله لويس قبل 15 سنة في تسعينات القرن الماضي، وفي عهد جورج بوش الأب حين بدأ الاتحاد السوفياتي يتفكك وازداد الحديث عن عدو جديد مترافقا مع موضوع توسيع فكرة دائرة "الشرق الأوسط" لتصبح كبيرة.
كلام لويس جاء في سياق سياسي واضح فهو يهدف إلى اقناع واشنطن بضرورة الاعتماد على "إسرائيل" كدولة وحيدة تتبع الديمقراطية وبالتالي مساعدتها لمواجهة منطقة لا أمل ان تنمو فيها ديمقراطية، بسبب تاريخها السياسي المشحون بالاصطراعات الأهلية وميل ثقافتها نحو العنف في حسم الخلافات.
الديمقراطية برأي لويس أوروبية ويصعب ان تنمو وتتطور أو تزدهر في مناطق تقع جغرافيا خارج دائرة تلك القارة. و"إسرائيل" هي الاستثناء الوحيد من تلك القاعدة "قاعدة الشرق الأوسط" لأن شعبها يتكون ثقافيا من امتزاج جماعات أوروبية نزحت من تلك القارة. وهذا يعني - برأي لويس - انه لا مجال لتوقع قيام أنظمة ديمقراطية في بلدان "الشرق الأوسط" لأن شعوب تلك المنطقة غير أوروبية وتاريخها السياسي ينتمي إلى ثقافة الاقصاء والالغاء ورفض التسامح أو القبول بالخسارة، وحتى القبول بفكرة التداول السلمي للسلطة. فالسلطة برأي شعوب المنطقة وجماعاتها هي الاستئثار بها واحتكارها واستخدامها وسيلة للقهر ومنع الآخر من الاستفادة منها... كما ذهب لويس في منطقه الاستشراقي.
كلام لويس العنصري عن العرب والمسلمين وتاريخ المنطقة السياسي وثقافتها المضادة في طبيعتها التكوينية والاجتماعية لفكرة الديمقراطية جاء في سياق الرد على اطروحات نادت قبل 15 سنة بضرورة نشر الديمقراطية في "الشرق الأوسط" في عهد بوش الأب وتحديدا بعد الانتهاء من العمليات العسكرية لحرب الخليج الثانية في 1990 - .1991 الا ان رد لويس فاق في عنصريته كل التوقعات حين توقع فشل تلك المحاولات بسبب التركيب السكاني لشعوب المنطقة وتعارض ثقافتها السياسية مع جوهر الديمقراطية وهي التسامح والاعتراف بالآخر والقبول بالتنازل عن السلطة وفق مبدأ الاقتراع ونظام الغالبية والاقلية.
كلام لويس العنصري والمناوئ للعرب والمحابي لمصالح "إسرائيل" يجب إعادة قراءة جوانبه الأخرى في ضوء التحولات الدراماتيكية التي اصابت المنطقة في عهد بوش الابن. فبوش الثاني يبدو انه لم يقرأ تحليلات لويس العنصرية عن الديمقراطية أو انه قرأ تلك الكتابات ولم يقتنع بها أو قرأها واقتنع بها وقرر في ضوء ملابساتها خوض حروبه بذريعة نشر الديمقراطية لتحقيق اغراض أخرى لا صلة لها بالأفكار المعلنة "الاصلاح، والتنمية، وحقوق الانسان".
في أي سياق يمكن ان نضع سياسة بوش "حروبه الدائمة على العرب والمسلمين" وتصوراته عن المنطقة. فهل المنطقة "العراق مثالا" غير صالحة للديمقراطية لأن تربتها السكانية "تكوينها البشري" غير أوروبية؟ أم هي صالحة للديمقراطية لأن الفكرة عالمية وليست أوروبية، وبالتالي يمكن المراهنة على نموها وانتشارها وازدهارها في أي مكان وزمان؟
يصعب تقديم جواب أخير قبل معرفة نهاية السيناريو الذي يقوده بوش الابن والأهداف الحقيقية التي يريدها من تلك الحروب وما انتجته من تداعيات سلبية اثمرت حتى الآن الكثير من الفوضى والمذهبية والارهاب والقليل من الديمقراطية
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 956 - الإثنين 18 أبريل 2005م الموافق 09 ربيع الاول 1426هـ