الواقع أن ملفي الإسكان والبطالة من الملفات الكبيرة الشائكة التي باتت من الاتساع والتعقيد لدرجة أنه يمكن أن يشعر الإنسان حيالهما بالإحباط، فكلا الملفين لا يقل عدد المتضررين منهما عن 40000 مواطن. والتحدي الكبير لملف البطالة هو: كيف يمكن خلق فرص عمل لشريحة تضم هذا العدد؟ في ظل وجود فساد إداري ومالي مستشر، وفي غياب التنسيق بين القطاع العام والخاص، وفي ظل عدم وجود سياسيات واضحة في التخطيط، وبالمثل لملف الإسكان يبقى التحدي ماثلا أمام الحكومة: كيف يمكن العمل على توفير قسائم ووحدات سكنية لهذا العدد من المواطنين، نظرا لعدم وجود متسع من الأراضي الصالحة للمشروعات الإسكانية، في ظل وجود فساد إداري ومالي وعدم شفافية ووضوح؟ فالأراضي كان يا ما كان في قديم الزمان موجودة بوفرة في البحرين، أما الآن فقد انحسرت، وأصبحت نادرة، ففي ليلة وضحاها أصبحت الأراضي الخاوية أملاكا خاصة للمتنفذين ومن هم في حكمهم، وليس بمقدور الدولة استغلالها في المشروعات الإسكانية.
وبطبيعة الحال لكل ملف من الملفات أسبابه وظروفه الخاصة، ولكن نستطيع أن نجزم - ولا يختلف عاقلان في ذلك - أن التجنيس السياسي العشوائي في البحرين في السنوات الأخيرة من أهم أسباب تفاقم المشكلة واتساعها. كما أنه سبب حقيقي للكثير من المشكلات التي طرأت في المجتمع، فعندما تعجز أية حكومة عن تلبية مطالب شعبها، ولاسيما المسكن اللائق وغيره من حاجات أساسية، أو مصدر رزق يسد فيه جوعته وجوع عياله، بينما يقضي المواطن البحريني زهرة شبابه باحثا عن مطالبه الأساسية، وأحيانا يفكر في الهجرة بحثا عن رزقه، ولا يعرف راحة البال... يحلم ببيت العمر ليعيش حياته الأسرية بشكل هانئ، ومع ذلك يستكثر عليه هذا الحلم المشروع.
الوافد الأجنبي في البحرين ينام قرير العين، فهناك امتيازات تعطى له بسخاء، قبل مغادرته لوطنه ووصوله إلى مطار البحرين الدولي، ويتم توفير سبل العيش الكريم له من وظيفة محترمة ومسكن صحي لائق وخدمات تعليمية وصحية مجانية، في حين أن المواطن البحريني - وللأسف الشديد - يعيش على أمل الحصول على بيت العمر، وإن حصل عليه فإن سعادته بالكاد يشعر بها نظرا للقروض الثقيلة التي يحملها على كتفه ليل نهار، فهو لا يهنأ أبدا، فقد كتب عليه الشقاء والعذاب.
بعيدا عن الغوص في أعماق مشكلة البطالة والمشكلة الإسكانية فليس هذا حديثي، وبعيدا أيضا عن طرح الحلول والشعارات البراقة، فالمسألة تحتاج فقط إلى وعي وإرادة سياسية، وبلاشك هي بحاجة إلى قرار سياسي ليس إلا.
من خلال استقراء الواقع المعاش وفي محاولة صادقة لمعرفة أبعاد المشكلتين "الإسكان والبطالة" أعتقد أن الحكومة زرعت مشكلة لتقلل من حجم مشكلة أخرى، وهنا أحتاج إلى تفصيل هذه المسألة لتبدو أكثر وضوحا، فالمواطن البحريني متى ما تعذر عليه الحصول على وظيفة مناسبة كلما ظل في قوائم العاطلين عن العمل، وبالتالي لا يحق له أن ينضم إلى صفوف قوائم وزارة الإسكان، كما لا يحق له أن يطالب بوحدة سكنية أو ما شابه، كذلك لن يكون بمقدوره بطبيعة الحال أن يتزوج أو يفتح له بيتا، فهو لا يستطيع الإقدام على خطوة كهذه من دون وظيفة توفر له راتبا، وبالتالي فإن الذي لا يعمل ولا يوجد لديه عقد زواج، لا يحق له أن يطالب بوحدة سكنية، وبالتالي لكي تضمن الحكومة التقليل من حجم الملف الإسكاني لم تول خطط التنمية الاهتمام المطلوب، ولاسيما المتعلقة بالاقتصاد والبنية التحتية، خشية من صحوة الشريحة العاملة ومطالبتها بحقوقها في يوم من الأيام، وبالتالي تظل هذه الملفات عالقة، والتي ليس من السهولة بمكان طرق أبوابها، فالحديث عنها ذو شجون، والسبب وراء خشية الحكومة من فتح باب ملف الإسكان على مصراعيه يكمن وراءه عدة أسباب من بينها سينمو لدى الطبقة الواعية سؤال محرج جدا لأصحاب النفوذ وأصحاب الأراضي الشاسعة الواسعة: "من أين لك هذا؟"، ويأتي هذا منسجما بطبيعة الحال مع الواقع المعاش، فالمواطنون لا يجدون مسكنا يأويهم، وأناس يمتلكون أراضي "بالهبل" لا يعرفون ماذا يفعلون بها؟
الملفت للنظر أيضا أن كلتا المشكلتين تكونت لهما في الفترة الماضية لجان أهلية حملت على عاتقها مهمة الملف بما يحمل من إرث ثقيل وهم كبير، وفق برنامج أهلي متفق عليه عبر جملة من الاعتصامات والمسيرات الشعبية التي تذكر الحكومة بين الفينة والأخرى أن لهم مطالب غير مسكوت عنها، ويعتمد بشكل كبير جدا على جهود المتضررين من المشكلة ذاتها عملا بالمثل الشعبي القائل: "لا يحك جسمك إلا ظفرك"، ولكن نظرا لقلة الاستجابة الفعلية من قبل المؤسسة الرسمية، وضعف إمكانات اللجنة التحضيرية يرمي بظلالها على مسك الملف بإحكام وإدارته بالشكل الأمثل، فالتنسيق يحتاج إلى جهود كبيرة جبارة سواء على مستوى التنظير والتخطيط أو على مستوى التنفيذ، إلى جانب التفرغ لصالح الملف، وخلق جبهات لعمليات التفاوض، فالعمل بحاجة إلى جهاز تنظيمي مؤهل ويحسب حساباته بشكل دقيق، لا يفتح له باب إلا ودخل منه وتفاوض، فالعمل يحتاج إلى استمرارية ونفس طويل، لا انقطاع فيه، فالملفات السياسية حساسة جدا والعمل على فتحها يعني وضع السكين على الجرح، ولا يجب الاستهانة بها أبدا... و"ما ضاع حق وراءه مطالب".
* كاتبة بحرينية
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 956 - الإثنين 18 أبريل 2005م الموافق 09 ربيع الاول 1426هـ