أرسى بينالي الشارقة للفنون منذ دورته الأولى في العام 1993 موقعا رياديا مكنه من الاستمرار في التواصل والعطاء حتى لحظة وصوله للدورة الحالية السابعة التي نشهد ونتابع فعالياتها، وهذا عنصر جميل وايجابي قياسا بالمنحدرات المتواصلة التي تطول المجتمعات العربية في جوانب الحياة الثقافية والفنية خصوصا "ولا أقلها ما هو شاخص عندنا وبيننا في ساحتنا المحلية الخالية تماما من أية فعالية عربية أو دولية" وجود وتكريس بينالي في إمارة خليجية كالشارقة نزعم أنه يشكل رصيدا مهما يحسب لحضور ووجود هذه المنطقة على خريطة التشكيل العربي والعالمي.
وبدءا يمكننا الادعاء أن هذه الدورة هي دورة إشكالية على مستوى الطرح والفهم وتفجير الأسئلة المفتوحة على هذا العالم، هذا العالم ذو التحولات المتسارعة والمتجاورة والمتداخلة إلى حد التماهي في الكثير من مفاصل الحياة اليومية، الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية تعريجا على الدينية.
فكرة الانتماء
يؤكد القائمون والمنظمون فكرة انتماء الإنسان إلى هذا الكون الرحب... الفسيح... من دون تحديد جنسية الفنان وانتمائه ومنذ الدورة السابقه "السادسة" يحاول أن يتماشى والتطور الحاصل في حقل الثقافة البصرية الفنية القائمة في العالم.
الشارقة فضاء "عالمي، كوني" مفتوح لكل الفنانين المبدعين من مختلف أصقاع العالم يضعون أسئلتهم ويلقون أحلامهم ومشاعرهم في هذه المدينة بعيدا عن فكرة شيوع وسيطرة الشواهق من المباني... هكذا قيل.
يقول القيم العام على البينالي جاك برسكيان عن مفهوم الانتماء الذي يطرحه الحدث، في خضم المناخ السياسي والاقتصادي الذي فرضته حقبة العولمة وتداعياتها على حياتنا اليومية وبنيتنا الثقافية، لابد من إعادة تعريف مفاهيم لربما كانت تقليدية وبديهية في حقبات ماضية ويأتي طرح هذا المفهوم اليوم أكثر إلحاحا من أي وقت مضى وهو مفهوم رحب وعميق في الوقت عينه الذي يتسع لإبداعات سبعين فنانا تم اختيارهم بعناية بعد تدقيق ومتابعة لتجربتهم الفنية اذ تتسم مجمل الأعمال المشاركة بمفاهيمية جدلية فيها محاكاة فكرية بالدرجة الأولى لتوجهات النظم البشرية المفروضة على عالمنا، ثمة تباين في وجهات النظر واختلاف في الآراء بشأن مجموعة من المفاهيم منها الانتماء بوصفه ثيمة البينالي في دورته الحالية، والعولمة والهوية، لحد ذهب بالناقد والفنان الأردني محمد العامري لمقاربة تعريف العولمة بإسنادها إلى منطقتي ربح وخسارة، أي أن هذه المنطقة هي الخاسرة وان الغرب هو الجانب الرابح اذ صنعت وصيغت مفاهيم وتعريفات العولمة فيه فهو المكان الحقيقي لمنبتها ومبعثها وهو من يملك شروط بثها ونشرها بالصيغ والطرائق التي يرتأي أنها تتمشى وأهدافه ورؤاه وأن ما يحدث الآن ببينالي الشارقة هو محاولة لتفكيك بعض هذه التعريفات ووضع تعريفات أخرى لتتلاءم وشروط مركز مبعث العولمة.
صورة خرم الجدار
إذا، هل ما طرح من مفهوم عن صورة خرم الجدار هو المكان الذي سيمكننا من إدخال بعض من هذه المفاهيم الجديدة إلى منطقتنا جغرافيا وخيالا وعاطفة أيضا؟ انطلاقا من الحدث ذاته ومن ثيمة الانتماء؟
يقول الفنان القطري يوسف أحمد: "أنا استغرب من هذا الاغتراب الحاصل والذي بدأت تظهر علاماته منذ الدورة السادسة السابقة بحيث فقد البينالي هويته التي بني عليها وتأسس، بمعنى أن هذا الإغراق في الأعمال التركيبية والفيديو آرت لا يخدم أبدا الأهداف - بتصوري المتواضع - التي أقيم من أجلها بينالي الشارقة للفنون، بمعنى آخر نحن نرفض هذا النوع من الفنون إنما نقول بموازاة هذه الأعمال يتحتم توافر أنواع أخرى الفنون الأخرى كالرسم والجرافيك مثلا والتي أعتقد أنها أساس انطلاق كل الفعاليات الفنية بالعالم، ومن جانب آخر نتساءل عن مدى تحقق مثل هذه الفنون أهدافها الجمالية والاجتماعية والثقافية في بيئتنا المحلية والتي يعرف الجميع مستواها وخلفياتها.
إذا لا أتصور اطلاقا أن فكرة الانتماء، هذه الثيمة قد تحققت بالصورة المرسومة وبالطريقة التي ينظر إليها بل بالعكس، ظني أنها لم تمثل إلا حالا اغترابية بحتة".
ليس هناك من جديد
الفنان والكاتب بصحيفة "الراية" القطرية المصري فكري كرسون قال: "ما رأيناه لحد هذه اللحظة ليس به جديد وغير متوافر على حاجة بها إدهاش، الأفكار المطروحة معظمها جربت وعملت "البلاستيك، المطاط" الكوخ المعمول من القمامة مثلا هذا منفذ مسبقا وحتى عروض الفيديو تشعر بأن بها حاجة من الاستسهال والتبسيط الذي لا يمتلك معنى حقيقيا، لذلك نلحظ غياب الفكر في بعض الأعمال المشاركة والأعمال المفاهيمية قليلة تلك التي تستوقفك.
وهل تحققت فكرة الانتماء؟ ما نفذ هو عكس الفكرة وما هو مطروح، من المفترض أن يكون الانتماء حسبما أوصل إلينا وحكي عنه خلال المؤتمر الصحافي أنهم يبتغون عمل ثقب في الجدار وكسر في تابوهات الأشياء التي ترسخت بدواخل الناس وفي المفاهيم أيضا، يعني الانتماء إلى فكرة، إلى جغرافيا وإلى شيء معين، إنما الحاصل وبحسب ما طرح القيم المساعد للبينالي أنهم اختاروا هذه الفكرة وهذه المنطقة لأنها من المناطق الشرق أوسطية والتي هي بحاجة إلى إعادة صوغ مفهوم الانتماء عندها وفيها وأن قضيتنا في الغرب قد حسمناها بالنسبة إلى العولمة وقناعتنا عن هذا المفهوم قائمة وراسخة الحقيقة وبناء على ذلك وطرح الأستاذ جاك والمجموعة يمكننا القول إنهم لم يعطوا الفنان العربي الفرصة ليعبر عن مفهومه للانتماء، والحاصل في هذه الدورة أنهم أحضروا مجموعة من الأجانب "الغربيين" وكلهم لم يلتزموا بالفكرة ذاتها، جميع الأعمال بتصوري لا تنضوي تحت أي مفهوم ولو افترضنا أن البعض ملتزم بموضوع الدورة على أساس الفكرة فعلا "وليس عملا فنيا فقط" وكان من المفترض منهم استطلاع رأي الفنانين العرب على الأقل بالنسبة إلى هذا المفهوم المرتبط بالشرق أوسطية ولإعادة صوغ مفاهيم الانتماء، نحن غير ممثلين بالمرة في هذا الحدث الكبير، فقط مجموعة من الأجانب جاءوا وطرحوا أفكارهم الخاصة، هذا إذا سلمنا جدلا أن للأعمال صلة وعلاقة بالموضوع، وأما قضية تحقق شعار هذه الدورة الحالية "الانتماء" في الأعمال المشاركة فتقديري أنه لم يتحقق، بل أرى العكس من ذلك تماما".
رائحة السياسي
يبدو أنك شممت شيئا ما من وراء الأكمة من خلال طرحك هذا فما هو؟
"حقيقة في المؤتمر الصحافي الذي عقد شممت رائحة السياسي تفوح لذلك طرحت أسئلة معينة لاستجلاء الفكرة نفسها لكن أحدا لم يجاوب بصورة مباشرة وصحيحة وهذا الأمر كرس لدي قناعة ومفهوم أن رائحة سياسة تشم والكل يعلم أن المنطقة يتم وضعها ورسمها ضمن الصوغ الجديد المعتمد على عمل اهتزازات في المفاهيم الموجدة طبعا، وهما منهم أن فكرنا وثقافتنا ومفاهيمنا هي التي تخلق الإرهاب وتخلق عدم التعايش وتخلق رفض الآخر، هي حلقة في سلسلة تأهيلنا لقبول فكرة الآخر على رغم أننا في الأصل ليست لدينا مشكلة، ربما هم يرون أنه ثمة مشكلة إلا أن الواقع بالنسبة إلى هذا المفهوم يحكي غير ذلك، نحن في الوطن العربي نمارس ذلك وبقناعة قبل أوهامهم والدليل ممارستنا واستقبالنا المدارس الفنية الحديثة، المسرح التجريبي والتشكيل الحديث والموسيقى وصار لها ردود وصدى فعلا في التوقيت نفسه بمنطقتنا العربية قاطبة لدرجة أننا اتهمنا ذات يوم بالمبالغة والمغالاة في التعامل والتفاعل معهم حتي أنه ظهرت لدينا مفاهيم الاحتماء بالتراث والمعاصرة الشائكة التي بقت طوال فترة خمسينات وستينات القرن الماضي تفتعل وهذا الافتعال دليل قاطع على انعدام المشكلة المزعومة، ثمة أرضية واحدة، لغة واحدة نتحدث بها سويا ونتفاهم لدرجة أن البعض ارتأى أنه لابد من وقفة لنظهر هويتنا، إذن الجميع غير محتاج لبذل مثل تلك المحاولات في وقت نحن تجاوزناها فعلا، أما إذا كان الطرح حسبما ذكرنا سابقا فإنه يمكن القول أن هذه الشعوب لا تعلم عنا بما يكفي في الوقت الذي يتوافر من هم منا من يردد مقولات ومفاهيم من دون وعي البعض في وقت نحن اجتزنا هذه المراحل والمفاهيم ذات العلاقة بالمشاعر الإنسانية والحسية التي لا تحتاج أبدا إلى إيجاد خطة لكيفية التعامل مع الآخر، لدينا شعراء وموسيقيون وفنانون في منطقتنا العربية يواكبون كل التطور المعرفي والفكري الحاصل في كل العالم، لكن يبدو أن هناك قراءة مغلوطة".
الحاجة الى الحوار
أما الناقد والفنان السوري طلال معلا فقال: "الأفضل أن نتحاور بشأن مجموعة من الأمور انطلاقا من أن الفن كالفلسفة دائما يسعى باتجاه المجهول ويسعى ليوطد معرفة جديدة في العالم الإنساني حين يصل إلى هذه المعارف التي تضحى معروفة أو يبحث دوما عن تجاوزها سواء اعتمد على معطيات العلم أو اعتمد على معطيات الحضارة التي تنتج في زمن انتاج الفنون، لدينا الكثير من التساؤلات في العالم العربي وخصوصا أن الأمور السياسية التي نلحظها تعيدنا إلى فترات سابقة كأجيال ظننا أن عهد الاحتلالات قد انتهى وأن العالم يتجه إلى عالم جديد، لكن على ما يبدو أن هناك فرقا بين العالم الجديد والعولمة وأن هناك تقريبا لعبا على الألفاظ بحيث تضحى هذه المفردات مرجعيات معارف جديدة في هذا العالم، الكثير من التساؤلات عن الزمن، عن الجغرافيا، عن المكان، عن الهوية، عن التبادل، عن مختلف الأفكار الإنسانية بما فيها مقولة البينالي هذا "الانتماء" في مجتمعاتنا التي حتى اليوم لم تتصالح مع الحداثة باعتبارها ماضيا يقف في مواجهة ما بعد الحداثة".
عن أية عولمة!
مجموعة من الأسئلة تدور في الرأس ولربما مسها شيء من التعزيز من خلال هذه الدورة تنطلق من اختيار "الانتماء" كثيمة للبينالي باعتبار أنها محاولة لإيجاد ثقب في الجدار الذي يعزلنا عن العالم. فهل ستأخذنا هذه المحاولة إلى بر أمان ونحن مجتمعات لم تزل تعاني من وهن في هيكليتها الاجتماعية أساسا والاقتصادية والسياسية "المفقودة الديمقراطية منها" فعن أية عولمة تلك التي نستطيع دخول عوالمها؟ وما مرجعياتنا التي نحزم ونذهب بها إليها؟