العدد 955 - الأحد 17 أبريل 2005م الموافق 08 ربيع الاول 1426هـ

ماذا بعد زيارة سيزار إلى دمشق؟

فاروق حجي مصطفى comments [at] alwasatnews.com

كاتب سوري

فيما تمر سورية بوضع دبلوماسي وعلاقاتي صعب الى درجة لا تمكنها الافادة مما قامت به من نشاط دبلوماسي كثيف على المستوى الاقليمي، يقوم الرئيس التركي أحمد نجدت سيزار بزيارة "التحدي" إلى سورية، البلد الذي واجه لفترات طويلة مضايقات تركية لأسباب مرتبطة بالدرجة الاساسية بتركيا، إذ كانت قد فرضت الحصار المائي على جارتها سورية، الى درجة كانت المياه تجف من نهر الفرات في كثير من الاحيان.

تأتي هذه الزيارة في وقت تعيش المنطقة لحظات حساسة وحاسمة، وفي وقت يقوم، أو من المفترض أن يقوم فيه البلدان بإجراءات وإصلاحات داخلية "مهمة وجذرية"، حسبما تردد من هنا وهناك.

كرديا قام البلدان بفتح آفاق جديدة غير معروفة المنحى بالنسبة إلى الأكراد، إذ في تركيا يحتفل الشعب الكردي للمرة الاولى بهذا الزخم، بعيده القومي "النوروز"، وللمرة الاولى تقوم تركيا بمراجعة علاقاتها مع الارمن. وفي المقابل قامت سورية بسحب قواتها من لبنان، وقبلت بصعوبة نصائح العرب فيما بتعلق بلبنان. وعلى المستوى الداخلي الكردي أطلق السجناء الكرد الذين اعتقلوا عقب حوادث القامشلي. وللمرة الاولى يسمح في سورية بتقديم برنامج حواري تلفزيوني عن الكرد في سورية، هذا عدا عن ان هناك شائعات ان الداخلية السورية طلبت من السجل المدني في الحسكة إرسال اللوائح بأسماء المحرومين من الجنسية السورية، فضلا عن رهان الرأي العام السوري على حدوث تغيرات من المؤمل أن تحدث في مؤتمر حزب البعث الحاكم.

ربما يقول قائل إن هذه الاجراءات ناتجة عن الضغط الدولي على بلدين يعيشان مرحلة من أصعب المراحل في تاريخ سياستهما الدولية والداخلية ايضا. ففي تركيا يتساقط المؤيدون لحكومة العدالة والتنمية، وهناك انسحابات بالجملة من تكتل العدالة والتنمية من البرلمان، وتوتر بين تركيا واميركا من جهة، وأوروبا من جهة أخرى. وفي سورية تفاعلات داخلية واقليمية تضعها على مفترق الطرق. في ضوء ذلك تحظى زيارة سيزار الى دمشق بأهمية فائقة، ولعل أهميتها تكمن في التالي:

أولا: ان الزيارة كانت محل اعتراض الولايات المتحدة الاميركية، التي تريد من سورية تنفيذ بنود القرار 1559 وتساعد العراقيين في العملية السياسية من دون تدخل في شؤونهم الداخلية، وعدم دعمها للمنظمات الفلسطينية.

ثانيا: ظروف المنطقة وتوتراتها السياسية التي ترسم آفاقا للمنطقة غير معلومة الملامح.

ثالثا: حاجة البلدين لبعضهما بعضا من النواحي كافة، اقتصادية وسياسية واجتماعية ودبلوماسية وامنية. هذه العوامل تدفع البلدين الى "اللحمة والتعاون"، وهو ما وضع سيزار في موقع "التحدي" لأميركا، التي توقعت منه عدم زيارة دمشق، وكذلك وبالنسبة إلى بعض الاوساط التركية التي لا تستحب العلاقات مع الجوار الاسلامي والعربي. فهذه الأوساط بدأت تعمل منذ فترة وعلى المستويات كافة لتحرض الغرب على حكومة "العدالة والتنمية"، لأنها مقتنعة بأن هذه الحكومة سبب في تنشيط العلاقة مع العرب على حساب العلاقة مع الغرب وخصوصا اميركا.

ولا نستغرب من أن هناك من يقدر موقف سورية من إصرارها على بقاء العلاقات قوية مع أنقرة، لأنها ترتبط بتركيا بحدود أكثر من 800 كم، وان هذه المساحة في الحدود الشمالية لسورية مهمة مقابل ما تمر به حدودها الجنوبية من توتر "مع الاردن مقارنة مع علاقات الأخيرة مع "إسرائيل"" وحدودها الغربية "مع "إسرائيل""، وحتى حدودها الشرقية. وعلى رغم أن العراق بدأ يسترجع عافيته بعد الانتخابات العراقية فإن أميركا التي تضيق الخناق على سورية موجودة بكل ثقلها في المحيط الشرقي لسورية.

هذا المشهد يبرر اصرار دمشق على بقائها وتمتينها للعلاقة مع انقرة، هذا فضلا عن كون تركيا إحدى الأضلاع الأساسية للمثلث العراقي، إذ هي الى جانب دمشق من طالبت باللقاءات الثلاثية على مستوى وزراء الخارجية لبحث الاوضاع في العراق، خصوصا كردستان العراق التي أراد اللقاء الثلاثي الحؤول دون وصول الأكراد إلى تطلعاتهم.

وفي الحقيقة، مهما كانت لهذه الزيارة من أهمية، فإن الكثير من المتابعين ربما لا يرون التفاؤل. بمعنى آخر، ان سورية ربما تستفيد من هذه الزيارة اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، إلا ان من الجانب السياسي لا توحي أية بوادر، بأن تركيا ستكون النافذة لسورية والمساندة لها. أعني انها سوف لن تكون مثل الصين أو اليابان أو غيرهما بالنسبة لكوريا. فتركيا التي مازالت تحتفظ بعلاقات قوية مع واشنطن، ووعدت واشنطن قبل فترة بسماحها للقوات الاميركية بتفعيل مقر طيران في جنوب شرق تركيا "قاعدة انجرليك"، هذا عدا عن أنها لم تفعل شيئا ملموسا فيما تتعلق بعملية السلام مع "إسرائيل" كما ادعت ووضعت نفسها في هيئة ان بامكانها ان تلعب دورا نشطا بهذا الصدد. والعجيب ان أنقرة كانت تريد من وراء هذا الادعاء الحفاظ على علاقتها مع "اسرائيل"! كما ان أنقرة لم تخف مطالبتها دمشق بضرورة تنفيذ بنود القرار 1559 وليس اتفاق الطائف، وهو ما أكده سيزر في زيارته دمشق.

بقي القول مهما قدمت سورية من عرض لتركيا "فهي التي وقعت على الاتفاق الأمني لمحاربة حزب العمال الكردستاني، وهي التي لم تبحث عن مسألة الحدود مع تركية "لواء الاسكندرونة"، وشاطرتها فيما يتعلق الامر بالعراق.

مهما تكن الزيارة فإن من حق دمشق ان تهتم بهذه الزيارة وتصف الضيف بانه "الكبير"، وإذا لم يكن من أجل أي شيء يكفي انه من أجل "تحدي" سيزار للرغبة الاميركية، وأعتقد أن هذا يهم دمشق في هذه الفترة. والذي لم يقله أحد "لا"، كما ان سيزار وأهميته القانونية والحقوقية تؤهله الى أكثر من ذلك!

* كاتب كردي سوري

إقرأ أيضا لـ "فاروق حجي مصطفى "

العدد 955 - الأحد 17 أبريل 2005م الموافق 08 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً