العدد 954 - السبت 16 أبريل 2005م الموافق 07 ربيع الاول 1426هـ

الدول الخليجية والعربية: تحسين القدرة التنافسية أم التكاملية؟

علياء علي alya.ali [at] alwasatnews.com

شهدت الدوحة قبل عدة أيام تنظيم مؤتمر دولي عن القدرة التنافسية، أطلقت خلاله تقرير القدرة التنافسية في العالم العربي للعام ،2005 ولم تأت معظم النتائج الواردة في التقرير بشيء جديد، إذ إن واقع وجوانب ضعف المجتمعات والاقتصادات العربية مشخصة منذ زمن طويل، بل والمعالجات هي الأخرى وضعت منذ زمن طويل ولكن للأسف على شكل دراسات وتوصيات على الورق وليس على شكل خطط وبرامج عمل تشق طريقها نحو التنفيذ.

وفي الوقت الذي لابد من التنويه إلى أهمية مثل هذه المؤتمرات وإصرارها على تسليط الضوء على جوانب الضعف في أدائنا الاقتصادي، بل وتطوير مؤشر للقدرة التنافسية للدول العربية بغية حفزها على تطوير أدائها، فإنه وبموازاة ذلك، يجب أن نحذر وخصوصا إزاء التهافت اللاوعي من عدد من المتحمسين لكل ما هو جديد في عالم الغرب، وعلى شاكلة تحسين القدرة التنافسية، إن على المسئولين الخليجيين والعرب أن يدركوا قبل غيرهم بأن تطوير القدرة التنافسية لبلدانهم يكمن في مزيد من التكامل وليس التنافس بين بلدانهم. لذلك، كنا نتمنى أن تبرز أصوات في مثل هذه المؤتمرات والفعاليات تسعى إلى وضع تصور واضح لما هو المقصود برفع القدرة التنافسية في البيئة العربية، إذ يجب التركيز على إزالة المعوقات بكل أنواعها وتسمياتها التي تعوق التكامل بين البلدان العربية وليس المقصود تطوير القدرة التنافسية في إطار من التنافس الوطني، أي بالمنطق نفسه الذي يتم تناوله عند الحديث عن مناطق أخرى. وهذا الجانب نراه جديرا بالمناقشة من واقع ما تم التطرق اليه من بحوث وأوراق عمل وردت في المؤتمر.

وابتداء، يمكن القول إن تقرير القدرة التنافسية في العالم العربي يعد محاولة لتقديم مؤشرات القدرة التنافسية للبلدان العربية، ومنحها مكانة دولية. وتحدد المراجع الاقتصادية عددا من العوامل التي تساهم في قدرة البلد على النمو على أساس مستدام. ومع مراعاة هذه الرؤى فإن مؤشر القدرة التنافسية للنمو يقيس ثلاثة مجالات تعد حاسمة بالنسبة إلى عملية النمو وهي البيئة الاقتصادية الكلية، وجودة المؤسسات العامة، وحال التكنولوجيا وكيفية الاستفادة منها. وقد احتلت قطر المرتبة الأولى في المنطقة من بين 12 بلدا شملها التقييم وفقا لهذه المعايير، تليها بفارق ضئيل الإمارات والبحرين. أي أن دول الخليج التي شملها تقييم مؤشر القدرة التنافسية للنمو تبين أنها أكثر البلدان تنافسية بموجب التقييم، ولديها بيئات سليمة للاقتصاد الكلي، ومؤسسات عامة قوية، وحكومات يبدو أنها شدت الرحال لكسب معركة التحديث. وهذه كلها أمور جيدة بالتأكيد، ولكن هل دول صغيرة الحجم مثل دول المجلس قادرة فعلا على التنافس لوحدها في البيئة العالمية الآخذة بالانفتاح، إن لم نقل بالانفلات المتزايد.

وتتحدث إحدى أوراق المؤتمر عن مفهوم التنمية المستدامة بوصفها فرصة سانحة وكذلك أهمية رأس المال الاجتماعي لحسن الإدارة السليمة. كما تبرز العمليات الأبعاد المتعددة ذاتها الرامية إلى تحقيق الإصلاحات السياسية والاجتماعية والثقافية، إذ ترى أن على الحكومات العربية إقامة إدارة اقتصادية كلية ذات صدقية واستحداث مؤسسات مرنة وزيادة كبيرة في حجم الاستثمار في رأس المال البشري والاجتماعي وتيسيير تدفق المعرفة والمعلومات وتعزيز التعاون العربي وتمرير تشريعات تمكينية تساعد على ازدهار المجتمع المدني. كما تتحدث هذه الورقة عن أهمية وجود مجتمع مدني ينعم بالحيوية والحركة يعمل جنبا إلى جنب مع الحكومة في تنفيذ مقومات التنمية المستدامة.

وعلى رغم أهمية هذه المقترحات وصلاحيتها، فإنه من المعروف أن التجربة العربية في مجال الاصلاحات تقدم الكثير من النماذج البارزة على الصعوبات في التنفيذ الفعلي للإصلاحات الهيكلية بسبب غياب الإرادة السياسية في الإصلاح سواء على المستوى الوطني أو على مستوى العمل الجماعي. فقد بدأت مسيرة الاصلاحات في منتصف الثمانينات عندما شرع بعض الدول العربية وتحديدا مصر والأردن والمغرب وتونس في اتباع مجموعة واسعة من السياسات الاقتصادية الكلية والاصلاحات الهيكلية، وعلى رغم مرور عقدين على حركة الاصلاح الآخذة في النمو، ونظرا إلى ما لحق ذلك من بطء في وتيرة التغيير، وعجز على التصدي بشكل أكبر واعمق للترتيبات الاجتماعية والسياسية وكذلك التشوهات التي تطال حسن الإدارة وتعوق التنمية، تجد الجهات المعنية في المجتمع الإنمائي نفسها مضطرة إلى التعامل مع العوامل الكثيرة الاخرى التي تخفض وتيرة إصلاح السياسات. والأهم من ذلك، أثبتت عقود من التنمية العربية، أن تجربة الدولة القطرية المعتمدة على ذاتها هي تجربة فاشلة مهما توافرت لها من موارد، لأن مصادر التهديد لبرامج التنمية ليست داخلية فحسب، بل خارجية أيضا.

ولا أدل على سلامة هذا الاستنتاج ما ذهبت إليه أوراق أخرى قدمت إلى المؤتمر تحدثت عن افتقار آليات حسن الإدارة للمساءلة والشمولية اللتين حالتا دون بروز تحالفات عربية جماعية تدعو إلى الإصلاح الجماعي التكاملي في المنطقة، وهو عنصر أساسي لإنجاح برامج الإصلاح. ويمكن للخبرة الدولية أن توفر أفكارا نيرة ومفيدة عن كيفية تثبيت الإصلاحات الجماعية وتحقيق النجاحات.

وفيما يخص دور القطاع الخاص في تعزيز الإصلاحات الاقتصادية، لقد سبق للكثير من الدراسات والبحوث أن وضعت الشروط المرجعية لتعزيز التنمية في قطاع خاص أكثر حيوية، يكون قادرا على الإسهام بشكل أكبر في مجالي العمالة والنمو والتكامل الاقتصادي. ويلاحظ أن مرحلة التسعينات كانت فرصة سانحة للاقتصادات العربية لشق طريق جديد للنمو الاقتصادي قائما على استراتيجيات اقتصاد السوق. إلا أن إصرار الحكومات على تولي عجلة التنمية بنفسها قد أضر كثيرا بهذه الفرص، ما أبقى القطاع الخاص في حال من الضعف أو التردد، ولجأ معظمه إلى تحويل استثماراته إلى الخارج.

لذلك، فإن تنشيط القطاع الخاص، وتمكينه ليصبح أداة تحرك النمو الاقتصادي يتطلب اهتماما أكبر بهذا القطاع، ودفعه إلى التكامل الأفقي والعمودي على مستوى الوطن العربي جنبا إلى جنب مع تنفيذ أجندة الإصلاحات الوطنية الخاصة بهذا القطاع مثل خصخصة المشروعات التي تملكها الدولة والإصلاح الضريبي وتحرير التجارة وتعزيز مؤسسات اقتصاد السوق وغيرها من المطالبات المعروفة

إقرأ أيضا لـ "علياء علي"

العدد 954 - السبت 16 أبريل 2005م الموافق 07 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً