العدد 954 - السبت 16 أبريل 2005م الموافق 07 ربيع الاول 1426هـ

اللبنانيون ضحايا حرب أشعلت لتصفية القضية الفلسطينية

فضل الله في خطبة الجمعة:

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

ألقى السيد محمد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين "ع" في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات الدينية والسياسية والاجتماعية، وجمهور غفير من المؤمنين. .. وجاء في الخطبة السياسية:

مرت ذكرى الحرب اللبنانية قبل ثلاثين سنة، التي كان اللبنانيون في كل ساحاتهم الطائفية والسياسية الحطب الذي يغذي حرائقها التي أوقدها الاميركيون لتصفية القضية الفلسطينية، وإخراج بندقيتها من لبنان، حسب الخطة "الكيسنجرية"، مستغلا بعض التعقيدات التي كانت متحركة في نطاق الحرب الباردة بين الشرق والغرب، وفي تفاصيل الخطوط القومية والوطنية في الحمى المرتفعة في الوجدان السياسي، وفي العصبيات الطائفية الدينية، وفي حساسيات المواقع في داخل الطائفة الواحدة أو المذهب الواحد، وفي عالم عربي يثير آلاف المشكلات في لبنان من أجل خوض حروبه ضد بلد هنا وهناك، في الواقع الفلسطيني تارة وفي الموقع اللبناني أخرى.

وعندما تحقق الهدف الأميركي من الناحية السياسية كان اتفاق الطائف، في خطة أميركية ذات وسائل عربية، وإذعان لبناني. ووقفت الحرب ولكن من دون مصالحة وطنية على صعيد الوحدة العامة، من خلال الخلفيات الطائفية على مستوى المواقع والعصبيات، واستطاع لبنان الذي كان محطة استهداف اميركية إسرائيلية - ولا يزال - أن يتجاوز كل الضغوط والاجتياحات، من اجتياح العام ،1982 الى الاجتياحات الموضعية الأخرى، إذ انطلقت المقاومة لتمثل الإرادة الوطنية في تحرير لبنان من الاحتلال، لتكون أول طليعة عربية إسلامية لبنانية تهزم العدو.

وبدأت الخطة الاميركية للعبث في لبنان، ولإثارة الفوضى في داخله، والتقت بالمصلحة الأوروبية - ولا سيما الفرنسية - من أجل إسقاط موقع القوة الممانعة في قاعدة المقاومة، ولإيجاد حال من الفوضى التي تقوم الإدارة الاميركية بتعميمها على المنطقة ضمن أشكال أمنية وسياسية واقتصادية مختلفة، تحت عناوين براقة للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، على طريقة كلمات الحق التي يراد بها باطل، في الأسلوب السياسي النفاقي الذي يشوه الحقائق، ولا سيما في حديث الرئيس الاميركي عن أمن العالم الحر، في الوقت الذي لا يقدم فيه للعالم إلا الحروب والفوضى والدمار.

وهكذا، يتحدث الرئيس الاميركي عن "أمواج الحرية التي تغمر إقليم الشرق الأوسط الكبير"، من أفغانستان الى فلسطين وصولا الى لبنان، ويقول: "ما إن تنجح الديمقراطية في العراق فإن هذا النجاح يبعث برسالة من بيروت الى طهران مفادها أن الحرية تستطيع أن تكون مستقبل كل وطن". والسؤال: عن أية حرية يتحدث في فلسطين، وهو الذي يدعم الاستيطان في الضفة الغربية، ويؤكد أن الواقعية تفرض إلحاقها بـ "إسرائيل" في المفاوضات النهائية، كما يمنع من عودة اللاجئين الى أرضهم، ويمارس اللعبة اللفظية في خداع الفلسطينيين بتمثيل الخلاف مع شارون في توسيع المستوطنات، ولكنه لا يضغط عليه بل إنه ينتظر رئيس السلطة الفلسطينية وبعض الزعماء العرب ليخدرهم ببعض الكلمات التي يبيعهم إياها، في مقابل المواقف التي يمنحها لـ "إسرائيل"، مع الأموال الضخمة التي يقدمها إليها على حساب دافع الضرائب الاميركي؟

إن الإدارة الاميركية، بعناصرها المحافظة والصهيونية، تحتقر شعوب العالم العربي والإسلامي، وتعمل على مصادرة كل قضاياها المصيرية الحيوية لحساب "إسرائيل". ومن الطريف أن هذا التأييد الاميركي المطلق لـ "إسرائيل" دفع بوزير خارجية العدو - في زيارته لمصر - أن يتحدث عن خريطة الطريق في الصراع العربي - الإسرائيلي من أجل اعتراف العرب بـ "إسرائيل"، في الوقت الذي لم توافق "إسرائيل" على الاعتراف بالشعب الفلسطيني، على قاعدة خريطة الطريق في فلسطين، لأنها تشترط تفكيك الانتفاضة للبدء بالمفاوضات النهائية التي تضيع في المتاهات السياسية.

وإذا عدنا الى العراق الذي خرج من الانتخابات، ليؤلف حكومته المثيرة للجدل في الحصص الطائفية والحزبية والعرقية، فإننا نلاحظ أن اميركا تبعث مجددا بوزير دفاعها ليفرض على الحكومة العراقية شروطه، ويحذرها من عمليات التطهير السياسي والمحسوبية حتى من العناصر الفاسدة في الأمن والمخابرات والجيش، ليتبعه - بعد رحيله - مندوب اميركي آخر، لأن المطلوب اميركيا هو أن يبقى العراقيون خاضعين للتعليمات الاميركية لحساب مصالح اميركا السياسية والاقتصادية والأمنية في المنطقة، ولإثارة أكثر من مشكلة في علاقات العراق بدول الجوار، في الاتهامات العشوائية.

ومازالت اللعبة السياسية الاميركية في لبنان تتحرك من أجل الضغط على مسيرة الشعب اللبناني، وإبقاء حال الانفعال وإثارة الغرائز، وإبعاد الموضوعية السياسية عن التداول في القضايا الحيوية التي تسمح للنادي السياسي كله بالحوار المباشر وجها لوجه في المرحلة الحاسمة، من دون انتظار للمراحل القادمة، فإنهم إذا كانوا يرفضون اللقاء السياسي انتظارا للمرحلة الصالحة فإن أكثر هؤلاء وأولئك شارك في الحركة السياسية الماضية، على مستوى إنتاج الهدر والفساد وتوظيف العناصر الفاشلة من الأنصار والأزلام، بما عطل الوطن عن الإنتاج، وبما سلط الأجهزة الأمنية وغير الأمنية للخضوع لمواقع القوة في الداخل والخارج.

إننا ندعو الجيل الجديد الذي هو صاحب المصلحة في تأصيل المستقبل، للانفتاح على الحرية والسيادة والاستقلال والصدق والأمانة والإخلاص للوطن كله، من موقع الوحدة الوطنية الشاملة، ونحذره - في الوقت نفسه - من خداع الفئات التي أفسدت الوطن ألا تقودهم الى التجربة الفاشلة. إن البلد يعيش الآن فترة الاتجاه الى ما يشبه الفراغ السياسي، في الوقت الذي يواجه فيه ضغط الأزمات الاقتصادية والإفلاس المالي الذي يخشى منه عدم استطاعة الدولة تلبية الاستحقاقات الاقتصادية الأساسية، حتى على مستوى ما يحذر منه البعض لجهة عدم تمكنها من دفع الرواتب للموظفين، وعلى الجميع أن يتحملوا المسئولية الكبرى لإنقاذ البلد بإلغاء الحواجز المصطنعة، ليرتفعوا الى مستوى مواطنيتهم اللبنانية في مسئولياتهم الوطنية، وليخططوا لبرنامج إصلاحي تغييري شامل، فلا يكفي رفع العلم اللبناني أو إطلاق الشعارات بالوحدة، ولكن بالإخلاص للمستقبل على أساس الرجال الذين يحملون القيم الروحية والأخلاقية في الرسالة السياسية، لا اللعبة السياسية، حتى يبقى لبنان للبنانيين، فلا يكون ممرا للاستعمار ولا مقرا له.

اللهم هل بلغت؟ اللهم اشهد

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 954 - السبت 16 أبريل 2005م الموافق 07 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً