العدد 954 - السبت 16 أبريل 2005م الموافق 07 ربيع الاول 1426هـ

تقلبات لبنانية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

المشهد اللبناني في حال تحرك دائم، ومن يريد متابعة التحولات يتعب كثيرا. فالتقلبات هي الثابت الوحيد في المشهد، وكل فرقاء الصراع المحلي لا يقفون على ساكن.

المعارضة في لبنان زئبقية وهي تتلون وتتعدل وفق الامزجة والاتصالات، وتتأثر كثيرا بالمناخات الإقليمية والدولية. كذلك الموالاة، فهي التقت في مجموع أطيافها على شعارات دفاعية محددة وبالتالي فإن احتمالات انفكاكها مسألة واردة حين تتوافر الظروف الإقليمية والدولية.

في السياسة اللبنانية الداخلية الثوابت دائما متغيرة والتحالفات هي في طور التبدل ما بين معارضة وموالاة. فالموالي اليوم يتحول إلى معارض غدا إذا عاكسته الظروف، والمعارض اليوم يصبح من الموالين غدا إذا مالت الظروف لمصلحته. فالسياسة ظرفية وهذه من طبيعة البلدان التي تنهض في توازناتها الداخلية على معادلات سياسية غير ايديولوجية. فالحياة السياسية في لبنان هي من النوع اللزج الذي يتكيف ويتبدل ولا يستقر على لون واحد لا يتغير. هناك تعدد في الألوان والتغير سمة من سمات فكر المصلحة. فالمصلحة تقرر اللون واللون يتبدل بحسب ما تمليه سياسة المصالح. والمصالح في النهاية علاقات تتكيف وفق التوازنات لا الشعارات العقائدية والايديولوجية.

هذا "السر" اللبناني لم تفهمه الكثير من الدول العربية وخصوصا تلك الأنظمة التي تتبع ايديولوجيات حزبية أو مبدئية صارمة في توجهاتها وثابتة في خطوطها العريضة. فالليونة اللبنانية في نسج العلاقات السياسية وسهولة فرطها ثم إعادة ربطها مسألة تتصل بخيوط المصلحية، ولا علاقة لها بثوابت لا تتغير. وهذا النوع من التفكير السياسي اربك كثيرا تلك الأنظمة العقائدية وشوش عليها وعطل قدرتها على التركيز أو الاستنتاج.

مثل هذه الأنظمة يصعب عليها التكيف مع حياة سياسية متغيرة تقوم على فكرة التحالفات المصلحة واللقاءات المؤقتة ولا ترتكز على ثوابت عقائدية تأبى الانحراف عن منطلقاتها المبدئية.

المشهد اللبناني في حال تحرك دائم، وما حصل في الأسابيع الأخيرة وتحديدا منذ جريمة اغتيال رفيق الحريري في 14 فبراير/ شباط الماضي يكثف الكثير من الصور التي تقلبت مرارا وحتى الآن لاتزال في طور التشكل. المعارضة مثلا اتفقت على نقاط وما إن بدأت تحقق مطالبها حتى أخذت كل فئة منها تعيد التفكير في مصير الأشواط المتبقية من السباق. الموالاة مثلا التقت على نقاط وما إن بدأت تخسر بعض مواقعها حتى أخذت كل فئة تنفك عن الأخرى بحثا عن مخرج تجده في المقلب الآخر.

هذا المشهد اللبناني المتقلب يتوقع له ان يتغير أكثر حين تستكمل سورية انسحابها العسكري الكامل في نهاية الشهر الجاري. وبقدر ما تبتعد الأجهزة عن مركز القرار بقدر ما تتشكل على هامش السياسة المحلية مواقع قوى تجذب إلى صفوفها مخلفات ذاك الانسحاب في محاولة لإعادة تقديمه في حلة جديدة. وليس مستبعدا ان نرى على المسرح اللبناني مشاهد جديدة ومختلفة عن السابق من نوع أن المدافع عن السياسة السورية اليوم سيتحول إلى أبرز المنتقدين لسلوكها السياسي، أو من نوع أن المنتقدين للسياسة السورية اليوم سيصبحون غدا من المدافعين عن مصالحها وربما وجودها المعنوي في الحياة الداخلية.

المشهد اللبناني الآن في حال تحرك دائم، وما حصل في موضوع تشكيل الحكومة هو أغرب مثال على نوع الدراما المسرحية المتوقعة في الأسابيع المقبلة. المعارضة مثلا اعترضت على تكليف عمر كرامي، والموالاة لم تسعفه أو تسهل أمره في اللحظات الأخيرة. والمعارضة نفسها لم تعترض أو بادرت إلى تسمية نجيب ميقاتي وهو أكثر "سورية" من كرامي، بينما الموالاة "السورية" اعترضت في قسمها الأكبر على تكليف ميقاتي.

يقول المثل "اختلط الحابل بالنابل". فنابل المعارضة اختلط بحابل الموالاة، وتوافقتا على تسمية ميقاتي واخرج كرامي من الميدان. إنها لعبة غامضة ولكنها مفهومة لبنانيا.

اللبنانيون تعودوا على مثل هذه المشاهد المتحركة، ويعتبرونها صناعة محلية وخاصة بهم، وهي تتميز بخصوصية لها صلة بطبيعة الحياة السياسية اللزجة "الزئبقية" التي لا ثوابت لها سوى التحرك الدائم والانقلاب على الذات والتقلب من ضفة إلى أخرى. وهذا أول الغيث

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 954 - السبت 16 أبريل 2005م الموافق 07 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً