منذ العام 2001 والبحرين تعيش أجواء مختلفة عن جيرانها، فقبل أربع سنوات كان الموضوع المطروح على الساحة هو الإصلاح السياسي، وهذا الموضوع مازال مطروحا ومازالت الآراء متنوعة بشأنه، فهناك من يرى أن الاصلاح تحقق بصورته الكاملة، وهناك من يرى أن ما تحقق هو بداية مسيرة تحتاج إلى المزيد من الجهود لأن "اكمال الشيء أصعب من بدئه"، وهناك من لا يرى اصلاحا جوهريا قد تحقق.
كنت مع عدد من البحرينيين وشاركنا في مؤتمر في بريطانيا عن الاصلاح في الشرق الأوسط قبل عدة أسابيع، وكانت قد طرحت آراء متضاربة أمام جمع من الحضور المتخصص في شأن الاصلاحات. وكانت واحدة من الملاحظات التي طرحها أحد المشاركين ان الشيء الجميل هو ان الذين تحدثوا بلغة "مادحة" والذين تحدثوا بلغة "ناقدة"، جميعهم قدموا من البحرين وجميعهم سيعودون اليها من دون خشية من اعتقال او اضطهاد، وربما هذا يلخص شيئا مما تحقق في بلادنا خلال السنوات الماضية.
لكننا نعلم أن الاصلاح ليس بالأمر السهل، فهو عملية مستمرة لها أبعادها المختلفة، وأن المسيرة يمكن تعطيلها او عرقلتها أو حرفها. ولعل ما قاله المسئول في مؤسسة "ان دي آي" الاميركية "ليز كامبيل" لـ "الوسط" الاسبوع الماضي من انه زار البحرين قبل عامين وعاد اليها مرة أخرى وان ما أحبطه هو ان الحديث والحوارات لم تتحرك من مكانها خلال العامين الماضيين. والحقيقة انه لا يمكن القاء اللوم على المعارضة فقط في هذا الجانب، فالجهات الرسمية لها دور في تجميد الحال الحوارية وعدم فسح المجال لتحريك الأجواء والتعاطي مع التوجهات الإيجابية للمعارضة، وهي كثيرة.
غير أن هناك مشروعات أخرى للاصلاح بدأت على الجانب الاقتصادي العام الماضي بشأن سوق العمل، وكذلك بدأ مشروع آخر عن اصلاح الاقتصاد في فبراير/ شباط الماضي بقيادة سمو ولي العهد. وأشار ولي العهد إلى أن "طموحاتنا يجب ان تكون واسعة وعلينا ان نحدد مستويات أعلى" نسعى اليها بصورة جماعية. وقد برز مجلس التنمية الاقتصادية كلاعب مهم في عملية الاصلاح بعد التعديل الوزاري الأخير الذي فصل مهمة الاقتصاد الوطني عن وزارة المالية، وهذا أفسح المجال لانشاء هيئات تنفيذية/ تنسيقية مثل "هيئة اصلاح سوق العمل" وهيئة أخرى للاشراف على الاصلاح الاقتصادي.
إن هذه المشروعات جميعها تشكل حركة واحدة، وعلينا أن نبادر إلى طرح الآراء والمشاركة فيها، وهي تساند بعضها بعضا وتفتح المجال أمام اصلاحات أخرى نحن بحاجة اليها اذا كنا نود الخروج من المشكلات السياسية والاقتصادية التي نعاني منها. دول متطورة في عصرنا بدأت المسير ذاته قبل عقود من الزمن، وهي مازالت تبذل الجهود المضاعفة من أجل تطوير الرؤى وتحديد مسار الاصلاحات في ضوء المتغيرات. البعض واصل المسير وحقق الكثير، والبعض تعطل في الطريق واندثر أو انحسر.
ولو نظرنا إلى الاصلاحات التي قام بها شاه إيران في الخمسينات ومطلع الستينات من القرن الماضي ، فسنرى أنه أخذ ببعض التوصيات التي أبلغه بها حلفاؤه من الاميركان والبريطانيين حين أعادوه إلى الحكم بعد انقلاب مصدق في مطلع الخمسينات، مثل "اصلاح استملاك الأراضي" وغيرها، ولكن الشاه سرعان ما تراجع عن برنامجه الاصلاحي ووجه كل طاقاته من أجل توسيع قدراته الأمنية والمخابراتية، وكانت نهايته في ،1979 هذا في الوقت الذي كان مستشاروه يخفون عنه ما كان يجري في البلاد ويزينون له أفعاله.
نحمد الله على ان لدينا في البحرين فرصا أكبر من غيرنا لتداول الآراء وطرحها بصورة أكثر حرية مما مضى، ونأمل في مزيد من هذه الحرية التي لا تستمر إلا اذا كان مستخدموها هم من الذين يشعرون بالمسئولية الثقيلة للحفاظ عليها
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 954 - السبت 16 أبريل 2005م الموافق 07 ربيع الاول 1426هـ