بعد أن كتبت آخر سطر في هذا المقال، عدت من جديد إلى اللقاء الذي عقد بين وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وبين الأمين العام للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان عبدالله الدرازي، بحضور رئيس الأمن العام اللواء عبداللطيف الزياني، فهو لقاء مهم بلا ريب وخصوصا مع ما صرّح به الدرازي من أن الوزير طالب في بداية اللقاء الاستماع «إلى رأي الجمعية وملاحظاتها بشكل حقيقي ومن دون مجاملات».
وفي الواقع، هذا لقاء جدير بأن يسجل كنقطة تميز للجمعية، وخصوصا في ظرف شديد الحساسية، ووسط تعابير مقلقة يستخدمها (البعض) تصل إلى حد نذر الحرب!
إذا كنا على أعتاب حرب داخلية مرتقبة بين معسكرين... يمثل الطرف الأول فيها معسكر (الدولة)، والطرف الثاني معسكر مجموعات من الشباب والمراهقين «المسلحين» والمدربين والمهيئين لخوض تلك الحرب، كما يروج البعض في أكثر من موقع، فإن الأولى ثم الأولى، أن تسقط هذه الفكرة الخطيرة، ويكف مروجوها عن عملهم الأرعن، ويتعقل عشاق العنف والتخريب... إذا كان أمن البلاد واستقرارها يهمهم كثيرا!
إن مجرد تكثيف الترويج لمثل هذه الأفكار الهدامة، من شأنه أن يؤزم الوضع وينحى به نحو المزيد من الاضطراب والتصادم، وإن كان من قبيل الإشاعات المغرضة، فذلك النوع من الإشاعات له فعل مدمر أشد بكثير من الممارسات العنيفة المرفوضة التي تشهدها الكثير من القرى والشوارع الرئيسية عند مداخلها، لكن الدعوة إلى استخدام القوة من دون سواها، وقطع الطريق أمام التحركات والمبادرات الوطنية الهادفة إلى إنهاء حالة التأزم واستتباب الأمن، هي دعوة في حد ذاتها... شر مستطير.
لم نكن يوما، ولن نكون في أتون حرب! بلى، هناك أعمال عنف وحرق وتخريب في العديد من القرى، تتخللها بين الفينة والأخرى، اعتداءات يذهب ضحيتها الأبرياء وتثير حالة من الهلع والقلق على البلاد والعباد، وفي شأنها، تتعدد الآراء، فرأي يتعصب إلى أشد مراتب التعصب ويعتبرها (نضالا) من أجل نيل الحقوق، ورأي آخر يراها انحرافا خطيرا عن المطالب السلمية المشروعة ويدرجها تحت عنوان الممارسات الإرهابية، ورأي آخر يرجع سبب اشتدادها إلى غياب التحاور المسئول المنطلق من روح وطنية للتصدي لكل ما من شأنه الإضرار بالسلم الاجتماعي.
ولكن تبقى بعض الممارسات اللامقبولة، على شاكلة تخريب الممتلكات العامة والخاصة، وحرق الإطارات وحاويات القمامة واسطوانات الغاز، والاعتداء على الأبرياء، مهما كان الطرف المعتدي والبادئ بالشر، وتعريض حياة مواطنين ومقيمين بل وحتى من رجال الأمن، وكذلك من الشباب والأطفال، ورفع الشعارات المعادية للدولة، تبقى كلها ممارسات منحرفة لا مسوغ لها إلا بالنسبة إلى من تحول من المطالب المشروعة، إلى مآرب أخرى من قبيل زعزعة الأمن والاستقرار والنيل من السلطة.
إن الفئة الرافضة لهذه الممارسات والأعمال العنيفة المهددة للأمن الوطني، ومع إدراكها بأنها أفعال منفلتة لشباب ومراهقين لا رقابة عليهم لا من جانب أولياء أمورهم ولا من جانب الرموز الدينية والسياسية والناشطين، تطالب تلك الفئة، وزارة الداخلية بأن تقوم بدورها الوطني في حماية البلاد وهذه مسئولية كبيرة، وفي ذات الوقت، محاسبة أي مسئول، مهما كانت رتبته، في حال تسبب في تعريض حياة الأهالي للخطر، أو تجاوز الحدود القانونية في تعامله مع أي ظرف أمني، أو انتهك حرمات البيوت أو أفرط في استخدام القوة من دون مبرر، فمثل هذه التصرفات أيضا، تدخل تحت طائلة تعريض أمن المجتمع للخطر.
سألني بعض الشباب، لماذا تهاجمنا دائما وأنت تعلم بأن مطالبنا مشروعة؟ فأقول وأنتم تعلمون بأن الغالبية العظمى من المواطنين، من الطائفتين الكريمتين، مع المطالب السلمية المشروعة، ومع رفض العنف والعنف المضاد والإفراط في استخدام القوة، من أي طرف جاء ذلك العنف، ولسنا أبدا مع دعوات العداء للدولة وتدمير القرى وحرقها وحرمان المواطنين من خدمات الإنارة والإشارات الضوئية، بل وحرمانهم من الأمان في مناطق سكنهم... إن التحركات السلمية متاحة، بل أصبحت البحرين على أعلى قائمة دول العالم التي تشهد الأعتصامات والمسيرات والاحتجاجات، فنتمنى من المنظمين ومن المشاركين الالتزام بالنهج السلمي، وندعو المسئولين الأمنيين أيضا، إلى تجربة الأسلوب الذي أثبت فعاليته... وهو ترك المجال للمواطنين في حال تنظيم المسيرات والاعتصامات لأن يبدأوا برنامجهم، وينهوه، ويذهبوا إلى بيوتهم دون الحاجة إلى المواجهة العنيفة، ولا بأس بمراقبة الوضع بدءا بإصدار الإخطار، والتأكد من سلامة الجميع ميدانيا، كما من المهم التأكيد على عدم استخدام الأسلوب الاستفزازي الرخيص من أي طرف.
لقد شهدنا في أكثر من موقف، كيف أن بعض الضباط الأكفاء، المتمكنين والمقتدرين شخصيا ومهنيا، أشرفوا على الكثير من الفعاليات، فبدأت بسلام وانتهت بسلام، فما المانع في أن تكون هذه هي الصورة المثلى في مجتمع أصبح -على ما يبدو- لا يستغني عن المسيرات والاعتصامات، لكنه من دون شك، لا يريد العنف ولا التدمير ولا التحريق ولا الاعتداء على خلق الله.
ليس في البحرين مواطن تهمه مصلحة بلاده لا يؤمن بمبدأ الحوار، وعلى رغم أن مصطلح الحوار ينطلق في خطب الجمعة وفي التصريحات وفي الندوات، لكنه في حاجة إلى تفعيل حقيقي من جانب الدولة ومن جانب الرموز الدينية والسياسية ومؤسسات المجتمع المدني، وما من شك في أن تأكيد وزير الداخلية في لقائه مع أعضاء من كتلة الوفاق، على إمكانية التحاور مع من تهمهم مصلحة بلادهم، هو موقف الدولة، فمتى نرى نهاية لما تمر به بلادنا من ظرف شديد محزن موجع؟ حتى يتوقف داعمو العنف ومروجوه ومنفذوه ميدانيا، وتخرس طبول الحرب الوهمية؟
إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"العدد 2403 - السبت 04 أبريل 2009م الموافق 08 ربيع الثاني 1430هـ