تبدو زيارة الرئيس التركي احمد نجدت سيزر لسورية تطورا تقليديا في العلاقات السورية - التركية التي شهدت تحسنا ملموسا في الاعوام السبعة الماضية، وقد رأى سيزر الزيارة بهذا المنظور عندما وصفها بأنها رد على زيارة الرئيس بشار الاسد لتركيا بداية العام الماضي. والزيارة تقليدية ايضا من حيث عمومية ومحتوى الموضوعات التي جرى بحثها بين الرئيسين، والتي تناولت العلاقات الثنائية والأوضاع الاقليمية ومنها الوضع في العراق والوضع في الاراضي الفلسطينية، وعملية التسوية في المنطقة.
غير أن زيارة الرئيس سيزر لدمشق تتحول الى زيارة استثنائية اذا نظرنا الى ظروفها، والابرز في هذه الظروف، أنها تأتي في وقت تتعرض فيه سورية الى ضغوطات خارجية شديدة، بدأت متصاعدة من جانب واشنطن، ثم انضمت اليها باريس والمجموعة الاوروبية، قبل أن تتحول الضغوط الى دولية بصدور القرار ،1559 وهذا يترافق مع حصار إقليمي تجسده ترديات العلاقات السورية - الاردنية ومثيلتها السورية - العراقية، تضاف اليها التوترات الحالية في العلاقات السورية - اللبنانية.
كما أن زيارة سيزر جاءت في وقت يثار فيه لغط شديد بشأن توترات في العلاقات التركية - الاميركية، ومثلها العلاقات التركية - الاسرائيلية، وهي توترات تتصل في الجانب الاهم منها بسياسة تركيا الاقليمية وخصوصا انفتاحها حيال سورية وحساسيتها ازاء العراق وما يحدث في شماله، وادانتها العلنية لسياسة "اسرائيل" ضد الفلسطينيين، وتقنين علاقاتها مع الاسرائيليين، ثم رفضها الضغط الاميركي من أجل إلغاء أو تأجيل زيارة سيزر لسورية.
وكما هو واضح، فإن هناك مشتركات سورية - تركية تحيط بظروف زيارة سيزر لدمشق، وربما هي مشتركات توازي التقاطعات في المصالح المباشرة للبلدين التي دفعت الى تحسين العلاقات بينهما بعد عقود من الخلاف والاختلاف الذي دفعهما في العام 1998 إلى حافة حرب، لم يوقفها سوى توقيع اتفاق اضنة الامني بين الجانبين.
غير أنه اذا كانت المصالح المباشرة، قد حسنت علاقات الجانبين، فإن من غير المنتظر، أن تعزز الظروف المحيطة بزيارة سيزر لسورية قدرة الطرفين على مواجهة الضغوط التي يواجهها البلدان، ذلك أن سورية وتركيا دولتان صغيرتان في منطقة ذات حساسية عالية بالنسبة إلى الولايات المتحدة زعيمة العالم وصاحبة القول الحاسم في شئونه، ولاسيما بعد الدخول الاوروبي تحت المظلة الاميركية في الموضوع السوري، فيما لدى أوروبا بعض الحساسيات حيال تركيا.
وكون سورية وتركيا غير قادرتين على مواجهة طغيان الضغوط الخارجية وخصوصا الاميركية، لايعني أن عليهما الخضوع لتلك الضغوط، والامتناع عن التلاقي والبحث في توافقات سياسية مشتركة سواء في المستوى الثنائي او الاقليمي، بل ربما كان المطلوب الذهاب الى الابعد في البحث عن علاقات وتوافقات أوسع في المنطقة وخارجها، بحيث تمتد في الدوائر الدولية الاخرى ومنها الدائرتان الآسيوية والافريقية، بل إنه ينبغي عدم استبعاد الدائرتين الاوروبية والاميركية، وقد حاولت كندا تمييز سياستها في الآونة الاخيرة عن السياسة الاميركية في أكثر من موقف.
غير أن ذهاب تركيا وسورية في هذه المسارات، لن يكون أمرا سهلا بالنسبة إلى الاطراف المختلفة، ولاسيما للبلدين صاحبي العلاقة، إذ إن مسارا كهذا لا يمثل خيارا سياسيا للبلدين، إذ ترتبط تركيا بعلاقات وثيقة وقوية مع الولايات المتحدة أبرز تعبيراتها عضوية البلدين في حلف شمال الاطلسي، فيما سورية بين أكثر الدول الساعية الى توافق مع السياسة الاميركية في المنطقة، وفي الحالين تحاول تركيا وسورية الابقاء على هامش يخص كلا منهما في المواقف كما في التحرك عن مواقف وتحركات واشنطن، التي تصر على ضبط كل الايقاعات في المنطقة بما ينسجم مع مصالحها. ومن هنا ينشأ ما يبدو من تعارضات، وليس تناقضات سورية - تركية مع الولايات المتحدة في الشرق الاوسط.
من هنا يمكن فهم القمة التركية - السورية الاخيرة باعتبارها خطوة في الهامش السوري - التركي المطلوب، وليست خطوة في مواجهة واشنطن، فوقت المواجهات بالنسبة إلى دول المنطقة صار في الماضي، وإلى هذا الماضي انتسبت تلك الدعوة السورية التي أطلقها في طهران رئيس الوزراء السوري محمد ناجي عطري إبان زيارته إيران الشهر الماضي في إقامة جبهة سورية - ايرانية، ولهذا ربما لم تعط زيارة الرئيس سيزر لدمشق صفة أنها في مواجهة سياسات واشنطن في الشرق الاوسط، ولم يقل أي من المسئولين السوريين أو الاتراك بهذا المناسبة ما يجعل زيارة سيزر في مواجهة السياسة الاميركية، وقد بينت الزيارة في اعلاناتها توافقات كثيرة تتقاطع مع السياسة الاميركية في المنطقة
العدد 953 - الجمعة 15 أبريل 2005م الموافق 06 ربيع الاول 1426هـ