أخبار الاستجوابات الوزارية في الكويت لها طعم خاص، والحديث عن إقالات وزراء في قطر بسبب دعاوى الفساد له طعمه الخاص أيضا. وليس واضحا ما إذا كانت هذه الأخبار عابرة ام انها تمثل بداية لظاهرة جديدة تواكب ما يجري في عالم اليوم. فحتى دولة مثل نيجيريا، التي كانت - وربما مازالت - تعتبر من أسوأ الدول التي ينتشر فيها الفساد، فإن رئيسها اعلن هذا الشهر إقالة مسئولين كبار بتهم الفساد في المال العام.
ربما ما يحدث أمر عابر، وربما مرتبط بالضغط الدولي نحو مزيد من الشفافية ومكافحة الفساد الذي تم تتويجه مع نهاية العام الماضي بإعلان الإمم المتحدة التاسع من ديسمبر/ كانون الاول يوما عالميا لمكافحة الفساد، ودعوة الدول الأعضاء إلى التوقيع "ومن ثم اعتماد" الاتفاق الدولي لمكافحة الفساد من أجل نشر ودعم التدابير الرامية الى منع ومكافحة الفساد بصورة أكفأ وأنجع، وتيسير ودعم التعاون الدولي والمساعدة الفنية في مجال منع ومكافحة الفساد، بما في ذلك استرداد الموجودات من الذين أخذوا ما ليس لهم.
لو رجعنا الى الكويت، فان البرلمانيين كانوا منشغلين بأمور أخرى، بعضها أساء الى الكويت ولاسيما عندما كان البرلمان يبدو أنه ضد حقوق المرأة. ومن ثم انهال الاستجواب على وزير الاعلام، ولكن الحدث كان عابرا، لأن وزير الاعلام السابق كان يعتبر "حوطة هبيطة" أساسا. ومن ثم في مطلع هذا الشهر استقال وزير الصحة الكويتي بعد ان أنهكه اعضاء مجلس الامة بالاستجواب. الأمور مازالت عادية، لأن الوزارة ليست "سيادية". الا انه في الاسبوع الماضي بدأ بعض النواب يتحرشون بالنائب "الثالث" لمجلس الوزراء محمد ضيف الله شرار، وربما يشهد الاسبوع الجاري استمرار الاستجواب. واذا أصر النواب على الدفع باتجاه تثبيت الاتهامات التي احتوتها ملفات ضخمة عرضت على المجلس، فان الامتحان الأكبر سيبدأ في الكويت. فالوزير شرار قريب جدا من الوزارات السيادية، وربما إذا لم يجد "الاقناع" للتخلي عن الاستجواب، فقد تلجأ القيادة الكويتية الى استخدام "العيون الحمرة" على النواب، ما قد يصل الى حل المجلس.
اما في البحرين، فان الاستجوابات "ان كانت هناك استجوابات جرت" كانت خجولة و "اعتذارية" وتبريرية على أي حال، واللائحة الداخلية لاتسمح بأكثر من ذلك، كما أن ديوان الرقابة المالية لايتبع البرلمان. ولو عدنا الى الوراء قليلا، فإن واحدة من أزمات البرلمان في مطلع السبعينات من القرن الماضي هي الاستجوابات التي لم تكن تحصل على أجوبة شافية. كما كان لدينا قانون المخالفات المدنية الذي صدر قبيل الاستقلال في العام 1970 وكان يمنع محاكمة او مساءلة أي موظف عمومي، ولم ينته هذا المنع القانوني الا في العام 2001 عندما صدر "القانون المدني". غير أنه ومنذ الاستقلال لم تشهد البحرين أية معاقبة واضحة لموظف عمومي ذي شأن. والموظف العمومي - بحسب تعريف الامم المتحدة - هو أي شخص يشغل منصبا تشريعيا او تنفيذيا او اداريا او قضائيا في أجهزة الدولة المختلفة.
المشكلة إذن ذات شقين. الاول يتعلق بقدرة البرلمان على ممارسة دوره الرقابي على الحكومة، والشق الثاني قانوني يتعلق بمدى امكانية تحريك دعوى مدنية او جنائية ضد "موظف عمومي". ولكي يكتمل الجانب القانوني فإننا بحاجة الى أن تتحمس الحكومة ويتحمس البرلمان الى توقيع واعتماد "الاتفاق الدولي لمكافحة الفساد" بما في ذلك تشريع أدواته الإجرائية، وبالتالي يمكننا أن نؤسس ديمقراطية غير عابرة، تعتمد سيادة القانون على الجميع
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 953 - الجمعة 15 أبريل 2005م الموافق 06 ربيع الاول 1426هـ