قبل عدة ليال، كنت في زيارة لمجموعة من فناني المرسم الحسيني في المنامة الذين اجتمعوا لإشعال الشموع في ذكرى رحيل بابا الفاتيكان. وفي نهايتها اصطحبني أحد الحضور إلى فريق الحمام، وتحديدا منطقة الباخشة "وأصلها اللغوي الباغ جاه"، وهي كلمة تعني بالفارسية حديقة الحيوان. وكان قصده أن يريني مسجد "عتيق".
في الطريق سرد لي قصة هذا المسجد، التي مازال يرويها كبار السن في هذه المنطقة من العاصمة. يقول: عاش في البحرين شخص عربي مسيحي، لا يعرف من أي دولة جاء، ليتخذ البحرين وطنا، وربما كان ذلك قبل مئة سنة. واختلط بأهل البحرين فأحبهم وأحبوه، حتى فكر في الدخول إلى الإسلام، فتوجه إلى الشيخ خلف العصفور كما تقول الرواية المتداولة بين الأهالي، وهناك أشهر إسلامه على يديه. ويضيف الراوي ان الشيخ اقترح عليه تغيير اسمه إلى "عتيق علي"، وهكذا كان.
المهاجر العربي جاء طلبا للرزق، ويبدو انه كان يعمل بالتجارة، بدليل انه اشترى منزلا ليعيش فيه، ومازال البيت يعرف باسمه حتى الآن. وفوق شراء المنزل اشترى أرضا، وبعد فترة من الزمن بناها مسجدا للمسلمين. ومنذ ذلك الحين تمت إعادة تجديد المسجد مرتين أو ثلاثا، آخرها قبل عامين تقريبا، فهو اليوم قائم قرب المدرسة الايرانية القديمة التي تنتظر الهدم في وقت قريب.
إذا وقفت أمام هذا المسجد، ستجد رخام الجدار الخارجي يلتمع حتى تحت الأضواء الخافتة في الليل.
ربما مر على تلك الحكاية مئة عام، مازال المسجد قائما في مكانه يحمل اسم المهاجر الذي أحب أهل البحرين وأحبوه، وتزوج منهم وترك من خلفه ذرية مازالت تعيش بيننا. ومازال المسلمون يؤمون ذلك المسجد ليعبدوا ربهم تحت أكنافه بعد قرن من الزمان
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 952 - الخميس 14 أبريل 2005م الموافق 05 ربيع الاول 1426هـ