دعا السيدمحمد حسين فضل الله، الشعوب العربية والإسلامية ألا تكون فريسة سهلة لعملية التجهيل الكبرى التي تسعى أميركا إلى تمريرها في المنطقة، مشيرا إلى تخطيطها لاستيلاء أنظمة جديدة تشكل عنصر الدفع لمشروعها في المنطقة.
وأكد أن أميركا بإدارتها المحافظة لا يمكن أن تكون قبلة الإصلاح في العالم العربي، فهي شكلت وتشكل أكبر عائق أمام عمليات الإصلاح فيه، وهي عملت وتعمل على نسف كل أشكال الوفاق الداخلي. ورأى أن استراتيجيتها في المنطقة تقوم على توسيع نطاق الفوضى، مشيرا إلى أننا لا نبرئ الأميركيين من العبث الأمني الذي يطول في هذه الأيام أكثر من بلد عربي.
جاء ذلك في ندوته الأسبوعية للإجابة على سؤال بشأن العلاقة بين القيادة والقاعدة من منظار إسلامي، وعن جدلية الجمهور والموجه، وخصوصا في ظل الأوضاع الراهنة، وكانت إجابته كما يأتي:
أراد الإسلام للعلاقة بين القيادة والقاعدة أن تتم على جملة من الأسس السليمة والواضحة، لعل أهمها الصراحة التي لابد للقيادة من أن تتعاطى من خلالها مع الجمهور، وتضعه في أجواء حركتها السياسية والاقتصادية والثقافية العامة، وتعمل على إشراكه في تسيير حركة الدولة نحو بر الأمان، وإيضاح ما التبس على القاعدة، حتى لو أدى ذلك إلى انزعاج الجمهور...
وعموما فإن الإسلام أفسح في المجال للقاعدة أن تعبر عن عواطفها ومشاعرها وآرائها، ولكنه لم يضع ذلك في دائرة القداسة ليقرر الأخذ بما يريده الجمهور أو تريده الأكثرية بشكل مطلق. فعندما تخطئ القاعدة ليس على القيادة أن تقول: لقد اختارت القاعدة الطريق وليس علي إلا الامتثال لأمرها، بل تعمل على تصويب حركة القاعدة وسلوكياتها لتوجهها لما فيه صلاحها وصلاح الأمة من خلال ذلك كله.
إن الحكم في الإسلام يقوم على أساس من المشاركة، ومن خلال هذه العلاقة التفاعلية بين القيادة والقاعدة ووفق القاعدة القرآنية: "شاورهم في الأمر"، ولكن ذلك لا يعني أن تستجيب القيادة لكل نوازع القاعدة ومشاعرها، بل عليها أن تتفهم ذلك وتقوم بعملية توجيه وتصويب لهذه المشاعر لتصب في خدمة القضايا العامة للأمة، وتنزع عنها غرقها في ما يطفو على السطح أو في المحلي من دون النظر إلى ما يخطط له عالميا، وهنا تكمن المسئولية الكبرى التي لابد للقيادة من أن تحمل وزرها من خلال امتلاكها للخطة والحركة في المشروع التصويبي العام لحركة الأمة، لا أن تسعى للحفاظ على مكاسبها الذاتية في أجواء من الخداع أو المساومة مع الجمهور لحسابات سياسية أو انتخابية وما إلى ذلك.
ولعل المشكلة التي نعانيها في أوساطنا حتى الدينية، أن البعض في القيادة قد يحرص على عدم إظهار مواقفه الحقيقية حرصا على الاستمرار في كسب الجمهور، طمعا في مكاسب، في الوقت الذي يؤدي أي موقف معاكس للتيار أو للمزاج العام إلى إيجاد حال من المعارضة أو المشاركة، وهنا كان الإسلام واضحا في أن الميزان هو للحق والعدل وليس للأكثرية أو الأقلية.
إن المطلوب من القيادة، أي قيادة أن ترفع الناس إليها وأن تسعى لإيجاد بدائل تمنع أي فراغ قيادي وتجعل من الذين يتحركون في الخط العام للمشروع مشروعات قيادة مستقبلية، أو ليكون لديهم مميزات القيادة - في ذواتهم - بحيث لا يرهقون القيادة في تطلعاتها المستقبلية... بيد أن الطغاة في كل عصر ومصر يعملون على الإمعان في تجهيل القاعدة ليتمكنوا من توجيهها لحساب مشروعهم الخاص، وذلك وفق القاعدة التي اتبعها فرعون وأشار إليها القرآن الكريم: "فاستخف قومه فأطاعوه"، لأنهم يدركون بأن الضحالة الفكرية والسياسية والتجهيل يركز قواعدهم التسلطية، ولأن وجود البدائل يعني تهديد مواقعهم ومراكزهم، ولذلك فإن سعي الطغاة غالبا ما يتركز على قتل حركة السمو والإبداع في الأمة لحساب مشروعات الظلم المرتكزة على الجهل والتجهيل أو توجيه القاعدة عصبيا لا عقلانيا...
إن علينا كشعوب عربية وإسلامية، وفي هذه المرحلة بالذات ألا نكون فريسة سهلة لعملية التجهيل الكبرى التي تسعى أميركا إلى تمريرها في المنطقة، سواء من خلال العناوين الإصلاحية أو الديمقراطية التي ترشها على سطح الحوادث والتطورات التي غالبا ما تحركها هي أو تستفيد من أخطاء الآخرين لتحريكها وتسليط الضوء عليها، أو من خلال ما تخطط له لاستيلاد قوى وربما أنظمة جديدة، تشكل عنصر الدفع لمشروعها في المنطقة، وهي تعمل بوتيرة متصاعدة لاستغلال الكثيرين ممن يشكلون طفرة سياسية في طول المنطقة وعرضها لتقدمهم كمنارات سياسية تتغذى من دعمها السياسي والمالي، ولذلك فنحن نحذر من ذلك في الوسط الإسلامي، وكذلك في الوسط العربي العام، لأن أميركا لا تفتش عن البدائل الشعبية بل عما يؤمن لمشروعها الاستمرارية، وما يمكن أن يشكل الأرضية الجديدة لحال اللااستقرار العامة التي تمهد السبيل لخيارات متعددة هي محل دراسة ومتابعة وتخطيط من الأميركيين.
إن أميركا بإدارتها المحافظة لا يمكن أن تكون قبلة الإصلاح في العالم العربي، فهي شكلت وتشكل أكبر عائق أمام عمليات الإصلاح فيه، وهذا ما أكده تقرير التنمية العربية الصادر أخيرا، باعتبار أن الإصلاح والتنمية ينطلقان من خلال وفاق داخلي يرسم خطط التطوير والنمو، وأميركا عملت وتعمل على نسف كل أشكال الوفاق الداخلي في البلدان العربية لحساب حال من اللااستقرار السياسي والاقتصادي، وحتى الاجتماعي. إن الاستراتيجية الأميركية في منطقتنا هي استراتيجية الفوضى التي تعمل الإدارة الأميركية على توسيع نطاقها لتشمل أكثر من بلد وأكثر من منطقة، ونحن لا نبرئ الأميركيين من العبث الأمني الذي تتسع دائرته هذه الأيام، ليطول أكثر من بلد عربي.
إن أميركا ترمي بكرة النار في جانب لتنتظر ما هو رد الفعل لتبني على الأمور ما تقتضيه حاجات مشروعها، وترش القلق في جانب آخر لتجتذب صراخا سياسيا يحمل معطيات هذا المشروع إلى المواجهة، ولذلك نحذر اللبنانيين في معرض تحذيرنا لكل من قد يقع فريسة للخطط الأميركية في المنطقة من أن تكون حركة البعض منهم صدى لما تريده أميركا سواء كانوا يدركون ذلك أم لا يدركونه، وليدرسوا خطواتهم وخطابهم السياسي بدقة ورصانة ليصب في حسابات وحدتهم وحوارهم الداخلي ولا يكون عالة على الوطن ومستقبل أجياله
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 952 - الخميس 14 أبريل 2005م الموافق 05 ربيع الاول 1426هـ