العدد 951 - الأربعاء 13 أبريل 2005م الموافق 04 ربيع الاول 1426هـ

أبريل اللبناني

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

منذ العام 1975 يمر 13 أبريل/ نيسان سنويا. فاليوم هو ذكرى اندلاع الحروب الطائفية - الإقليمية التي امتدت على 15 سنة في مختلف مناطق لبنان ومدنه. ففي كل سنة هناك وقفة مع الذكرى وأمنية بألا تتكرر تلك المأساة التي دفعت بهذا البلد الصغير سنوات إلى الوراء. وفي العام 2005 تكرر المشهد نفسه على خلفية جديدة أثارت المخاوف من عودة هذا الاحتمال المرعب. فالذكرى هذه السنة كانت مختلفة لأنها جاءت في مناسبة كادت أن تقذف بالبلد إلى أتون الحرب. فقبل شهرين اغتيل رفيق الحريري بأسلوب متوحش. وبعد المشهد المخيف جرت حوادث متفرقة زعزعت ثقة المواطن بدولته وهزت في داخله ذاك الانتماء إلى هوية لبنانية ضائعة. إلا أن إرادة التحدي أسهمت في إعادة إنتاج صورة مختلفة رسمت "الهوية" اللبنانية في دائرة الوحدة لا الانقسام مطلقة موجات بشرية هدرت بصيحات عالية: لا للعودة إلى الحرب.

مشاهد التظاهرات الضخمة والجموع الهائلة التي ارتسمت لوحاتها البشرية في ساحتي رياض الصلح والشهداء "الحرية" كانت غير متوقعة وفاقت كل التقديرات. فهي الأكبر منذ تأسيس دولة لبنان في العام .1920 وربما لن تتكرر في المستقبل البعيد نظرا إلى ظروفها المعقدة وحساسيتها المفرطة، إذ جمعت بين الفعل وردة الفعل، وبين الإحساس بالمسئولية والكراهية للآخر، وبين الشعور بالظلم والقهر والاستعداد للتضحية. إنها لحظة تاريخية في مشهد درامي من الصعب تفسيره بدقة قبل مرور فترة زمنية عليه.

إلا أن المشهد اللبناني لم يقتصر هذه المرة على الجموع البشرية وتلك اللوحات التي ارتسمت في ساحات بيروت، بل امتد إلى السياسة. فالسياسة في هذا المعنى تكثف تلك الأسئلة. هل ما حصل هو نتاج الإحساس بالقهر بعد عملية تفجير موكب الرئيس الحريري؟ وهل ما جرى كان انتفاضة للكرامة والاستقلال ضد ما اتفق على تسميته بالوجود السوري، أم أنه لحظة عابرة في حياة لبنانية عابرة؟

حتى الآن من الصعب تفسير أو إدراك ما حصل وبمثل هذه القوة والسرعة. فما جرى يصعب تخيله ويفوق القدرة العقلانية للسيطرة على الأشياء المتحركة. وإذا أخذت المعايير النسبية من المكان والزمان والحجم والمساحة وتعداد السكان يمكن القول إن كمية البشر التي اجتمعت تفوق كل المعدلات القياسية. كذلك يمكن قياس النتائج السياسية التي ترتبت على ذاك الحدث. فالأمور أشبه بالانقلاب. وما حصل خلال أسابيع كان يمكن توقع حصوله في ظروف مختلفة في شهور وربما سنوات.

لبنان الآن تغير في أقل من شهرين، ويتوقع له أن يتغير أكثر في الشهور المقبلة. ففي نهاية الشهر الجاري سيخرج آخر جندي سوري من البلد. وكذلك يتوقع أن تبدأ عملية انتخابية لتجديد الحياة السياسية في بلد استقرت خياراته منذ فترة ليست قصيرة على توازنات ومعادلات غير مفهومة.

هذا التغير الانقلابي والسريع يطرح بدوره علامات استفهام وتعجب. فمثلا، هل كان بالإمكان الوصول إلى المدى الذي وصل إليه الوضع من دون رعاية دولية؟ وهل كان يمكن تصور حصول ما حصل في مثل هذه السرعة لو لم تترافق التحولات الداخلية بمجموعة ضغوط دولية وإقليمية؟

الأجوبة مهمة لأنها في النهاية توضح الجانب الآخر من الصورة. والجانب الآخر يطلق بدوره مجموعة أسئلة لها صلة بالموقف السوري. فهل سورية تغيرت وبالتالي فإن مبادرة الانسحاب العسكري جاءت نتيجة لحظة انتباه استراتيجية، أم كانت مجرد خطوة اضطرارية مؤقتة حصلت استجابة للضغوط لا نتيجة تشكل قناعات جديدة؟

هذا الجانب مهم لأنه يرد بدوره على أسئلة تتصل بجوهر الموقف اللبناني. فهل لبنان تغير فعلا وباتت "اللبنانية" هي الهوية المشتركة التي تجمع كل الطوائف والمذاهب والمناطق في بوتقة سياسية جديدة يطلق عليها الدولة، أم أن هذه "اللبنانية" مجرد مظاهرة مؤقتة تجتمع في الساحات ثم تتفرق إلى طوائف ومذاهب حين تعود الجموع إلى قواعدها ومناطقها؟

الفعل وردة الفعل مسألة مهمة، والأهم هو التحدي والاستجابة. فهل شعر اللبناني بالتحدي السوري فاستفز ورد عليه مستجيبا لهوية مؤقتة ومصطنعة تتلاشى مع خروج آخر جندي من لبنان، أم أن ذاك الشعور تولد نتيجة ولادة فعلية لهوية مشتركة تتجاوز الانتماءات الطائفية والمذهبية؟

أسئلة من الصعب الإجابة عنها في 13 أبريل الجاري، وربما الأيام الجارية تسعف على بلورة أجوبة عن مثل هذه الأسئلة في 13 أبريل المقبل

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 951 - الأربعاء 13 أبريل 2005م الموافق 04 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً