العدد 951 - الأربعاء 13 أبريل 2005م الموافق 04 ربيع الاول 1426هـ

حداثيون

سماهيج - حسين السماهيجي 

تحديث: 12 مايو 2017

قد يكون من العادي جدا استيعاب تقصير غير المختص في الحصول على أساسيات العربية فضلا عن معرفة أسرارها ومواطن جمالياتها. ..

ولكنه ليس من العادي أبدا أن يكون مثل هذا الشخص ذا علاقة "مزعومة" بهذه اللغة فنا وإبداعا...

العلاقة بين المبدع / الشاعر وبين هذه "العربية" لا يمكن أن تكون علاقة عادية على الإطلاق. إنها كالعلاقة بين العاشق ومعشوقته، بل هي النموذج الأرقى لذلك. هذا العاشق الذي يحنو على المعشوقة، ويصيبه من الشغف ما يغيبه عن الوجود في حال تماسه معها. هل نقول بالتعبير الدارج في وصف أمثال هذه الحالة إنه يكون "مستسر"؟!... وهذه اللفظة يعرفها أهلونا، ويستخدمونها للتعبير عن حالة التماس والغياب الكلي عبر استجابة متعددة الأنماط لحالة لغوية / وجدانية في "المأتم" و"العزاء"، على أن لذلك حديثا قادما إن شاء الله تعالى.

ما دعاني إلى مقاربة هذا الأمر ما نراه متكررا من بعض الأسماء التي سيجت ذواتها المتضخمة بهالة من التقديس والاحترام، فيما هي لا تمتلك أدنى مقومات الوجود الإبداعي الحقيقي. وتمعن في تكريس الضلال والعمى عن وجودها المزعوم المتقادم الممتد لسنوات طويلة بعيدا حتى الوصول إلى مرحلة التأسيس للحالة الشعرية الجديدة في البحرين والخليج، فيما هي لا تكاد تقرأ عبارة متناسقة مضبوطة، ولا تتمكن من كتابة قصيدة واحدة من دون الوقوع في مطب الخلل الإيقاعي واللغوي - مع ملاحظة التمييز بين من ينتهك النظام الإيقاعي إبداعيا وبين من ينتهكه جهلا وقصورا -، ولا تصل إلى خلق صورة شعرية متجاوزة وطريفة من دون الاتكاء على شعريات سابقة أو من دون الوقوع في مصيدة التنافر بين مكونات "الشعرية" الجوهرية. وليت هؤلاء ينكفئون على أنفسهم، ويقبعون في دوائرهم الصغيرة، ويكتفون بما حققوه من مجد زائف قائم على ادعاءات مزيفة... وليتهم يذهبون إلى أقرب معلم يتعلمون منه أبجديات الكتابة والشعر... ولكنهم - وهذا من ضمن إشكاليات المشهد الشعري - قد استمرأوا أستاذيتهم على الآخرين، وأمسوا وهم لا يطيقون فكاكا وخلاصا من هذا الدور المنوط بذواتهم التي أضاعت بوصلة الشعر الحقيقي، وأصبحت لا تقيم الشعر والشعراء إلا بمنظور أيديولوجي، بل - وذلك هو الأدهى والأمر - بمنظور طائفي محمل بتركة ثقيلة خلفها التاريخ الأسود الذي يتقاطر حقدا فيما هو يتزيا بزي حداثة رقيعة مزعومة، وتحرر سرعان ما يتكشف أنه إمعان في الوقوع في أسر الماضي وأغلاله.

الشاعر الحقيقي هو خالق النص...

ولن تجد خالقا قط وهو جاهل بهذا الكائن أو ببعض من أسراره وجوهر ذاته... وقد كان أبو العلاء ومن قبله أبو الطيب وأبو تمام والنؤاسي جميعا متفوقين تفوقا تاما في هذه الجوانب، بل قل إنهم كانوا مرجعا حتى للعلماء النقاد المختصين بعلم الشعر. ولم يكن عصر الشعر العربي القديم بدعا من بين العصور. فهذا أدونيس، على سبيل المثال، يمثل مرجعية متفوقة في هذه الجوانب المختلفة... ومن قبله كان شاعر العربية الأكبر محمد مهدي الجواهري، وهو على الطرف الآخر سيد من أسياد الشعرية العربية المعاصرة، ومبدع قل نظيره بين المبدعين العرب المعاصرين.

إن المشهد الشعري سيظل مصابا وموبوءا بأمثال تلك الأسماء التي ظلت لسنوات متمادية رهينة لخطل النظر النقدي والملاينات والعلاقات الشخصية التي ربما كان ضررها أكثر فداحة في المستقبل، ما لم تمنح الأشياء مسمياتها الحقيقية التي هي أحق بها، وأجدر أن تميز بها ويشار إليها كعنوان على فشل لم يكن له أن يستمر حتى يومنا هذا لو كانت الأمور موضوعة في نصابها الصحيح





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً