شيراز مدينة عريقة ولها حكايات عميقة، انها عاصمة الشعر والزهور والعصافير. يشهد لها التاريخ بولادة وتنشئة عدد كبير من الشعراء والعلماء واللغويين والفنانين، فسعدي وحافظ وسيبويه وابن المقفع وأبوعلي الفارسي، وقطب الدين الشيرازي وصدر المتألهين وروزبهان البقلي، ومئات الاسماء الأخرى نجوم لاتزال تتلألأ في سماء هذا الاقليم.
كتب ابن بطوطة أشياء جميلة عن أهمية هذه المدينة، وكانت محط رحال المتنبي في آخر رحلاته كما ذكرت شيراز مرارا في الشعر العربي المعاصر، لذلك فإن بمقدور هذه المدينة ان تمارس دور ميعاد يجمع كل المهتمين بالشعر والأدب، مدينة فاضلة اقتبسنا اسم مجلتنا من اسمها.
قرابة نسبية وسببية أكيدة جمعت الأدبين الايراني والعربي منذ القدم، نظم الشعراء الايرانيون شعرا بالعربية ودون علماء إيران مؤلفاتهم بالعربية والفارسية، فكانت هذه ظاهرة استمرت عشرة قرون ولم تنحدر نحو الافول إلا في غضون المئة عام الأخيرة بسبب انشداد شعوب العالم الاسلامي المختلفة لمنجزات الغرب التقنية.
مع دخول التقنية الغربية لبلدان العالم الاسلامي وجدت الثقافة الغربية هي الأخرى الطريق الى تلك الامصار ممهدا حيالها. هذا الاهتمام وهو طبيعي في جزء منه، وغير طبيعي في اجزاء كثيرة، أسفر عن غفلة الشعوب المتجاورة عن بعضها بعضا على رغم قواسمها التاريخية والجغرافية والدينية والثقافية المشتركة الكثيرة، البعض من أصحاب الاقلام والافكار في ايران والعالم العربي طفقوا يستحسنون كل غربي بلا أي تبصر أو تدبر ناقلينه الى حيز آدابهم وثقافتهم المحلية، وهم في ذلك ينسون ان الامر كان معكوسا الى ما قبل مئة عام فقط، اذ كان الباحثون الغربيون هم المقبلون في غمرة تطلعاتهم الروحية، على آداب الشعوب الاسلامية وثقافتهم يستلهمونها ويرتشفون منها ما يروي ظمأ أرواحهم.
ترنو مجلة "شيراز" في حدود المتاح الى مد ما تيسر لها من الجسور بين الادبين الايراني والعربي المعاصرين... جسور من جنس الشعر والقصة والمقالة والحوار. انها تصبو الى فتح نافذة لأولئك الذين قال عنهم عبدالوهاب البياتي في قصيدة "قمر شيراز" يحلمون بالقمر الشيرازي الأخضر فوق البوابات الحجرية
