العدد 951 - الأربعاء 13 أبريل 2005م الموافق 04 ربيع الاول 1426هـ

الألماني كروجر: أرفض حوار الحضارات

بدءا بهوفمانستال الذي رأى الكلمات كالفطر المتعفن

يرى الشاعر يواخيم سارتوريوس أن الشك بشأن اللغة يرافق الشعر الألماني منذ مطلع القرن. بدءا بهوغو فون هوفمانستال الذي كانت الكلمات بالنسبة إليه كمثل الفطر المتعفن. هذا الشك هو نفسه الذي يحوم حول لغة الشاعر الألماني مايكل كروجر. فالشعر مع هذه النصوص مسكون بالشك. والشعر بوصفه تعبيرا ذاتيا، يتمسك ضد لغة القوة والايديولوجية لذلك نرى أن المشاهد الشعري الألماني المعاصر وخصوصا بعد الحقبة التي يطلق عليها بعضهم بالفترة الكئيبة الرمادية بين نهاية السبعينات وبداية الثمانينات يحرص على هذه الخصوصية متمثلة في الجيل الجديد.

هكذا لايزال جوتفريد بن وبريشت وباول تسيلان وأنغيبورد باخمان المنابع التي تغذي شريان الشعر في غالب ما يكتب اليوم وإن اكتسبت بعض التجارب طابعا مغايرا آخر. في هذه القصائد نعثر على شاعر يتطرق لتفصيلات الحياة الصغيرة في جعبة الأسئلة الكبيرة.

الواقع الغائم بما يحويه من المعرفة الإنسانية والتاريخ والدين هذه كلها لم تعد خلاص الشاعر الذي يحاول أن يحتمي بالأسئلة التي تقودها القصيدة لكنها لا تفضي في حقيقة الأمر إلا إلى أجوبة هدها الاضطراب. إن قارئ الشاعر جروجر تغمره الفكرة وجحيمها على رغم بساطة تكوينها في قراءتها الأولى، والسؤال هو الزائر الخفي الذي يستبيح الصمت ليكشف عن "سلام اغتصب وحرب أعلنت"، زائر قد يأتي من خارج حدود المجاز ليكشف عن مناورة الأفكار والكلمات أما الزمن فهو النوم خارج حدود السؤال. يحاول الشاعر أن يقذف به مثل ورق التقويم ليترك الدهشة تقف على حدود ما سيأتي. يحاول مايكل كروجر في غالب ما كتب أن يجعل الأفكار تعلو في جسد النص وليس فوقه وتقاوم التناقضات التي تبتعد عن سرد الحياة في ركود الأمل بل تختزل ذلك كله في جوهر الشعر ذاته. إنها الديمومة التي تشع وتمضي على رغم مرارة الفراق وبربرية الحرب وغموض الأجوبة.

ولد الشاعر مايكل كروجر في قرية فتنجن العام 1943 وأصدر الكثير من الكتب النثرية والروائية وما يقارب 12 مجموعة شعرية وحصل على عدة جوائز أدبية كما يشرف على تحرير المجلة الأدبية أكزتا وعلى دار النشر الألمانية هانزار. في هذا الحوار نتعرف على جوانب من شخصيته الإبداعية:


حدود لا تتخطى

هل هناك حدود بين عالمي التأليف والنشر عندما يكون الناشر أديبا أين تقف حدود رؤيتك الشعرية في تقييم نتاجات الآخرين الذين تنشر لهم؟

- نعم هناك حدود لا تتخطى، لكنها بالنسبة إلي واضحة تماما، فالذي يشغل نهاره كله بلعبة اللغة يستطيع أن يخمن أين تتحرك هذه الحدود، وأين هي الصخور الرخوة التي تشكل ممراتها، وكذلك سلالمها السرية والمداخل السرية التي تفضي من لغة الصحافة إلى لغة الإبداع الرائع. ولكن المشكلة التي تفعل فعلها في ما سبق هي أن اللغة عموما جيدة وإن كانت غايات صاحبها مبهمة. والسؤال المهم هو من يملك اللغة؟ وهو سؤال ليس للإجابة، وعلى كل حال فإنها نادرا ما تكون من نصيب الشاعر.


تأثير العمل

هل لعملك تأثير في إبداعك؟

- نعم بالتأكيد، ثم علي محاولة الفصل بين الأمرين، وهذا نادرا ما يتيسر. نحن نتحدث عن لغة الاختصاصات، ونحن لا نكاد نفهم جزءا ضئيلا من لغة الطب أو من لغة التكنولوجيا، وتبقى لغة القانون غريبة علينا كذلك، على رغم أن جميع هذه اللغات المتخصصة تزعم أنها اخترعت لأجل الإنسانية، والغرب يتكون من لغات الاختصاص هذه التي لم تعد قادرة على الاتصال بعضها ببعض، ولذلك نرى أنه من المهم أن تكون اللغة الشعرية هي اللغة التي تتوسط كل اللغات وتعتني بها. وللسخرية وهي مرض غربي، يحضرني هذا القول أن الجنة قد أبعدت من اللغة.


ترجمات عربية قليلة

العربية حضارة الشعراء، لماذا يبدو حضور الشعر العربي قليلا في منشوراتكم؟

- انه لأمر محزن أن تكون ترجمات الشعر العربي قليلة جدا، هناك استثناءات بالتأكيد، ولكن النتائج تظل قليلة جدا قياسا بالآداب الأخرى، وفي رأيي أن هذا سيتغير قريبا. وأستطيع أن أتنبأ بضمير مرتاح أن السنوات العشر المقبلة ستشهد ترجمة كل متون الشعر العربي المهمة. هذه الرؤية يشير إليها الجدل الدائر حول الأسئلة العقائدية التي قذفها الإسلام. لكن حركة أحادية الجانب مثل هذه لابد أن تنتج قبلها أو بعدها حركة مضادة وستكون الحضارة العربية جزءا من هذه الحركة المضادة من دون ريب.


شكل القصيدة الحديثة

ما هو شكل القصيدة الحديثة لديك؟ وكيف تصف النص الكبير الذي تحلم به؟

- لا أدري إن كانت ستكون للشعر لغة عالمية. طبعا هناك استثناءات وهي أكبر من كونها مجرد آمال كبيرة. ولعل الشعر قد يخطى حقا وبسهولة، خلافا للرواية، اشكالية الثقافة الصعبة. إذ ان الشعراء اليوم يبنون حركة مضادة. انهم لا يسايرون التطور بل ضده. انهم يصادفون دورا ثوريا، فكل الذين يسايرون التطور يسيرون إلى نهايتهم متعجلين، وحقا فإن الشعر من الكائنات القليلة المتروية في هذا العالم المتعجل إلى نهايته جدا.


التعلم تحت القهر

يجري اليوم حديث عن حوار الحضارات، كيف ترى ذلك الحوار؟ وما الحضارات التي تجدها مؤهلة لهذا الحوار؟

- ما موضوع حوار الحضارات هذا ولماذا نجبر عليه؟ لا يوجد إنسان يشغل نفسه طوعيا بالحضارات الأخرى. لأن المثال الغربي قد فاز ولكن الأمر قد تغير بسرعة كبيرة. وعلينا الآن أن نتعلم تحت القهر درسا، هل يستطيع الإنسان أن يتعلم تحت القهر؟ ربما تكون هذه طريقة قديمة للتربية، ولكن هذا سيقود دائما إلى أننا سنتعلم فهم طرف من الثقافة العربية. إنني اعتقد أننا نعيش اليوم في نهاية الزمان، فالغرب لم يعد لديه ما يقدمه أكثر باستثناء السلطة والمال المشكوك فيه. ومن ناحية أخرى يصبح المرء غبيا، هذا التقدم للكذب، أنه تقدمنا ولكننا لا نستطيع النزول من قطار مسافر، وإذن فنحن نشتري موتنا. ماذا نستطيع أن نفعل؟ ينبغي أن نأخذ في الاعتبار تخمين التوابع التي تنتج عن شكل حياتنا الحالية، الكوارث تقترب مرة أخرى. هذا معروف. هل المرء متشائم عندما يتحدث هكذا؟ قديما كان هناك أناس يسمون الكهنة واليوم يجلس الكهنة في البورصة.


شاعر يهتم بالتفصيلات

في نصوصك نتعرف على شاعر يهتم بأصغر التفصيلات مثلما يهتم بالأسئلة الكبيرة. هل السؤال يستبيح الصمت الكثيف في سلام اغتصب وحرب أعلنت كما في نصوصك؟

- لا أريد مطلقا أن ألعب دور قارئ الفنجان. الذين يفعلون ذلك مريبون عندي. الأدباء باتوا بالنسبة إلي اليوم مثل الكهنة وعليهم أن يصححوا أوقات الحياة. والسرعة هذه التي غيرت العالم عظيمة جدا وعلة منجزاتنا النزعية الصغيرة جدا أن تكون مؤثرة وفاعلة. هل اقتربنا حقيقة من يوم القيامة؟ ماذا سيأتي بعد الضياع؟ الله وحده يملك الإجابة وليس الإنسان.


أرق

طول الليل، أسمع طفلا يصرخ

صوت عال لشخص معذب

مرة ثانية هدأ الصوت الصارخ

المنتظر تمدد فوق الصوت

الذي كان في ذروته

وفرغ حينما تبدد

عندما يعيش أربعمئة من بشر لا أعرفهم

واحد ممثل، وحيد دائما

آخر قانوني كان اليوم لدى الخباز

عندما قال: الحق طفل الأكذوبة لا طفل الحقيقة

لا تنم، رجاء: الصوت يقول لي

لن يعرف المجهول ما دمت مستيقظا

زوبعة تضرب المدينة، شهب لامعة، شهب ساقطة

الذي تعالى وهدأ، تصاعد وهدأ

في الصباح أرسى المركب آتيا من البلاد

وظل اسم الطفل مقروءا من بعيد

على صدره


السرير

بعد رحيلك

عريت سريرك

أدين الفراش وانتهى

الآن حينما أطفئ الضوء

لا أقدر أن أتأكد

على أي جانب أميل

قدم في السجن

الثانية في الحرية

والنوم أصبح خارج السؤال


صيف العام 95

السنونوات تقشر السماء

فوق الكتب المفتوح

السلام اغتصب

الحرب أعلنت

غيمة مشردة

ترسل ظلها الحائر

طائفا عبر الأوامر

رجاء.. فسر لي الحرب

منزل

كان المنزل قد رقد

حالما وطأناه

متعبا من الناس

هم غريب

أيقظ الوهج

انتظرنا

لكني مزقت صفحة التقويم

أشارت للعالم

وكيف كانت أحواله

الجسد الذي لا نعرف

يعرف الحركة

التي تشدنا

وتفرق بينن





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً