الوشاية مشكلة ليست جديدة في عالمنا العربي وخصوصا داخل اروقة الصحافة وفي المؤسسات الرسمية وغيرها. ... هناك مثقفون أو كتاب أو مسئولون همهم الكبير أن تقع أزمة بين السلطة والمجتمع ودائما ما يحاولون النفخ في أي شرر حتى ولو كان سيستتبع أعظم الشرر. نزار قباني ألف قصيدة بعد هزيمة 67 أسماها "هوامش على دفتر النكسة" بث فيها احباطه من الوضع كشاعر... الطبالون والانكشاريون الذين اعتادوا العيش على دكاكين الفتنة تلقفوا هذه القصيدة وراحوا إلى السلطة التي كان رئيسها جمال عبدالناصر ووشوا على نزار قباني وعلى إثر ذلك منع نزار من دخول مصر ومن بث اشعاره التي كتبها... ولكن ماذا حصل بعد ذلك. دعونا نقرأ ماذا قال نزار وما هي الرسالة التي ارسلها إلى جمال عبدالناصر ليذيب الجليد الذي اختلقه هؤلاء الوشاة:
انعي لكم، يا اصدقائي، اللغة القديمة
والكتب القديمة
انعي لكم
كلامنا المثقوب كالاحذية القديمة
انعي لكم نهاية الفكر الذي قاد إلى الهزيمة
يا وطني الحزين
حولتني بلحظة
من شاعر يكتب شعر الحب والحنين
لشاعر يكتب بالسكين
نرتجل البطولة ارتجالا
نقعد في الجوامع
تنابلا كسالى
اذا خسرنا الحرب لا غرابة
لاننا ندخلها بكل ما يمتلك الشرقي من مواهب الخطابه
بالعنتريات التي ما قتلت ذبابه
السر في مأساتنا
صراخنا اضخم من اصواتنا
وسيفنا اطول من قاماتنا
الوشاة خلقوا ازمة... بعدها كتب نزار رسالة إلى الرئيس عبدالناصر قال فيها:
"سيادة الرئيس... اذا كانت صرختي حادة وجارحة، وأنا اعترف سلفا بأنها كذلك، فلأن الصرخة تكون بحجم الطعنة، ولأن النزيف يكون بمساحة الجرح. من منا يا سيادة الرئيس لم يصرخ بعد 5 حزيران؟
من منا لم يخدش السماء بأظافره؟ وماذا تكون قيمة الاديب يوم يجبن عن مواجهة الحياة بوجهها الابيض والاسود معا؟ ومن يكون الشاعر يوم يتحول إلى مهرج يمسح اذيال المجتمع وينافق له؟ لذلك اوجعني يا سيادة الرئيس ان تمنع قصيدتي من دخول مصر، وان يفرض حصار رسمي على اسمي وشعري في اذاعة الجمهورية العربية المتحدة وصحافتها... القضية ليست قضية مصادرة شاعر، القضية هي ان يسقط اي شاعر تحت حوافر الفكر الغوغائي لانه تفوه بالحقيقة. لا اطالب يا سيادة الرئيس الا بحرية الحوار، فأنا أشتم في مصر ولا أحد يعرف لماذا أشتم وانا اطعن بوطنيتي وكرامتي لانني كتبت قصيدة، ولا أحد قرأ حرفا من هذه القصيدة. يا سيدي الرئيس لا اصدق ان مثلك يعاقب النازف على نزفه... لا اصدق ان يحدث هذا في عصرك. "بيروت 30 تشرين الأول ،1967 التوقيع: نزار قباني"". أمر بعد ذلك جمال عبدالناصر بالغاء كل قرار صدر ضد قباني... بعد ذلك تغير الطقس وتفرق المشاغبون وانكسرت طبولهم. لاحظنا كيف ركز قباني على الوشاة واصحاب الفكر الذي يقود إلى الهزيمة... هؤلاء منثورون في كل مكان وفي كل زمن في الصحافة وفي وزارات... و... يمارسون دور الوشاية ما بين السلطة والمجتمع... احيانا الوشاة يصنعون الحدث... فجأة هدوء واذا بك تفاجأ بضجة كبرى لا لها أول ولا آخر ومن دون اي مقدمات وكأن الأرض تهتز من تحت ارجلنا... هذا يسب وهذا يكتب حروفا على طريقة "يا نار اكلي حطب" وهذا يرقص فوق مسرح وهذا يتقيأ فوق منبر... فجأة واذا هدوء تسمع فيه حتى دبيب النمل... أي مجتمع يجب ألا يشغل نفسه بهؤلاء... يجب ان يصحح اخطاءه ويبين استراتيجيته في الحياة ويمد الجسور نحو تحقيق ما يخدم الناس والوطن. ختمها نزار قباني بقصيدته بعد رحيل عبدالناصر:
قتلناك يا حبنا وهوانا
وكنت الصديق وكنت الصدوق
وكنت أبانا
وحين غسلنا يدينا اكتشفنا
بأن قتلنا منانا
وان دماءك فوق الوسادة
كانت دمانا
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 950 - الثلثاء 12 أبريل 2005م الموافق 03 ربيع الاول 1426هـ