الاختلاف ملح الحياة، والله لم يخلق الكون لنكون نسخا مكررة من بعضنا بعضا. وعندما خلق الله أبانا آدم وهيأ له جنته يأكل منها حيث يشاء، حيث لا يجوع فيها ولا يظمأ، شاءت حكمته أن يبدأ الصراع بين نوازع النفس البشرية من الجيل البشري الأول، ليقتل قابيل هابيل، بسبب قربان قدماه فتقبل من أحدها ولم يتقبل من الآخر.
الحياة كلها قائمة على قاعدة التدافع، البعض يسمونها حركة، والبعض يسميها ثورة، والبعض يسميها إصلاحا، وهي من رحمة الله على عباده، وإلا لو ترك المجتمع ساكنا راكدا بليدا، لأصبحت الأرض مستنقعا للفساد والمفسدين. فالحركة والطموح للتغيير والأمل بالانتقال من حال إلى حال، هو ما يعيش الناس عليه، فتدفع عجلة التطور إلى الأمام. إذا فهمنا ذلك استطعنا أن نستوعب بروح رياضية ما يحصل في المجتمع من اختلافات وأخذ ورد، وتنازع وصراع، يصل أحيانا إلى درجات من التعبير العنيف.
وما تتخذه المجتمعات من طرق للتعبير عن وجودها ومشكلاتها ومعاناتها اليومية، ينبغي أن يؤخذ في سياقه الطبيعي وعدم تحميله أكبر ما يستحق. وهو ما ينطبق بالذات على التعاطي الحكومي في الفترة الأخيرة مع ما يموج به المجتمع من وقائع وحوادث وتلاطمات. لذلك يستغرب المرء من الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة قبل ثلاثة أسابيع، بتقديم ما يسمى "مشروع مكافحة الارهاب" ليناقشه النواب بصفة مستعجلة، لتمريره بليل.
لو كان هذا الشعب لم يمر بتجربة مريرة اسمها "حقبة أمن الدولة" بكلفتها الإنسانية الباهظة، لقلنا: "تجربة جديدة"، لعلنا نخرج منها بدرس مفيد. اما أن نركب رأسنا ونكرر أخطاءنا القديمة، فهو أمر غريب. والأغرب هو أن تكون الريادة هذه المرة لبعض النواب في حملة "التحشيد" و"التحريض" و"التأجيج"، من أجل تمرير هذا القانون المشبوه. وهذه "الريادة" سوف تسجل في تاريخ هؤلاء بالقار والقطران. وستكون أسماء "المتطوعين" في كتيبة أنصار القمع المقنن، على رأس القائمة السوداء لدى شعب البحرين، وخصوصا بعد أن تبدأ قواه السياسية الحرة بتسديد الكلفة الجديدة حين فرض هذا القانون، وسيكون هؤلاء لعنة على ألسنة الآباء والأمهات من الجيل المقبل من سجناء الوطن، حين يبدأ الارتداد عن الحرية في أية فرصة سانحة تستدعيها المصالح الضيقة والظروف الآنية قصيرة النظر.
القانون الآن مازال بين يدي لجنة الشئون الخارجية والدفاع والأمن الوطني للنظر فيه، ولأن ما قرأنا من القانون يثير الكثير من الشكوك والتخوفات على مستقبل البلد ومسيرة الحريات ومؤسسات المجتمع المدني، فإننا نحمل أعضاء هذه اللجنة كامل المسئولية، في حال تمريره بما يحويه من مواد ملغومة، تحمل في باطنها صواعق التفجير.
إلى جانب هؤلاء، ولخطورة القضية، نحمل المسئولية أيضا كل من كتب مقالا واحدا ساهم به عن وعي أو سهو أو جهل، في حملة التحريض والتحشيد والتأجيج ضد الحركة السياسية في البلد، بأي مبرر كان، وتحت أية ذريعة كانت، فلا يجوز أن نفتح أعيننا على محاكمات في المستقبل يكون فيها الحكم بالإعدام، وخصوصا إذا كانت الخرقة فضفاضة ومهلهلة بدرجة لا تستر العري، فـ "الإضرار بالوحدة الوطنية" كلمة لاكها الإعلام الرسمي دهرا طويلا حتى عافتها النفوس، وكثيرا ما استخدمت شماعة لمعاقبة المعارضين السياسيين فملأت المعتقلات بسجناء الرأي في الحقبة الماضية.
إحدى القارئات كتبت عبارة شديدة الاستفزاز تعقيبا على مقال سابق، قائلة: "سيعود قانون أمن الدولة... وباسم القانون هذه المرة، لتكون البحرين مهزلة الألفية الثالثة"، وعلى رغم كل هذه القسوة اللاذعة التي تستفز كل غيور محب لوطنه، حريص على مستقبل شباب جامعاته وطلاب وطالبات مدارسه، فاننا نضع هذه العبارة أمام مجلس النواب، وأمام لجنة الشئون الخارجية والدفاع والأمن الوطني، وأمام كل من شارك بكلمة واحدة في حملة "التحريض" و"التحشيد" و"التأجيج". فالوطن ليس سلة من التفاح المعروض للبيع، والمواطنون ليسوا رؤوس بصل تنتظر السكين، والمسئولية كبيرة على من وضعتهم الظروف العمياء على سكة التشريع
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 950 - الثلثاء 12 أبريل 2005م الموافق 03 ربيع الاول 1426هـ