بعض مسئولينا في الوزارات بحاجة إلى الذهاب إلى عيادة طبيب - أي طبيب - لينصحهم بقائمة تقليل النشويات والسعرات الحرارية في تصريحاتهم الصحافية. بعبارة أخرى هم بحاجة إلى رجيم حاد كي يتناسب هندامهم مع مقاسات الاصلاح والتحديث التي ننشدها في البحرين. والمشكلة ان بعضهم إلى الآن لا يعلم اننا في عصر انفتاحي، ولسنا بحاجة إلى تصريحات محشوة بغبار التاريخ. لعل جزءا من مشكلاتنا اننا لا نقرأ جيدا واقع التحولات المتزاحمة على بوابات التغيير في العالم. اليوم نحن بحاجة إلى برلمان يحترم آهات المواطنين ويوزع عليهم خبزاويضغط نحو توفير وظائف... وفوق ذلك يشرع حتى لا يتحول إلى برلمان منشورات.
الناس رقصوا طربا وذبحوا الخراف امام بيوتهم لاستقبال "البونس"، وتفاجأوا ان حليب العصافير ربما اقرب اليهم، ويخشون ان تتبخر الآمال وان تكون الضجة مجرد زوبعة في فنجان. البحريني راح يكلم الحيطان في هوس ملحوظ... وتارة يحدث نفسه في الليل وهو يحلم بست الحسن والجمال "البونس"... هو حلم بالبونس والمكافأة، فجاءت البداية في الكويت بمنح المواطنين اموالا اضافية على رواتبهم... الحكومة الكويتية اعطت المواطنين هدية ما سألوا عنها ولم يفكروا فيها... بعضنا صلى لله داعيا ان يوفق الناس للبونس هذه المرة... انتظر الناس... لم يروا شيئا واذا بالامارات تقدم اموالا اضافية إلى رواتب الاماراتيين والاجانب... الناس قرأوا الخبر، عين على الخبر وعين أخرى على الحكومة البحرينية... اخبار سربت ان هناك مفاجأة مالية في الطريق ونتمنى ان تكون صحيحة، علما ان ارتفاع سعر برميل النفط فاجأ الجميع والناس يطمحون إلى ان ينعكس ذلك على رواتبهم... نابليون بونابرت كان يردد مقولة جميلة "أشبع جنودي أولا ثم ابدأ المعركة"... عنصر الشبع ضروري جدا لأي مجتمع... البطون المستقرة تولد لنا ثقافة مستقرة واعصابا مستقرة وتفكيرا مستقرا. سؤال مهم: لماذا الدول الغنية حتى معارضوها حريريو الافكار، حتى في الخليج لماذا يمتاز المواطن الاماراتي بهدوء البال... لماذا الكويتي دائما "مفرفش"، لماذا السعودي يبحث عن الضحكة؟ استقرار "الجيب" يؤدي إلى استقرار الدماغ ثم إلى استقرار القلب.
الشاب يريد أن يلبس... يأكل... يقود سيارة مثل الناس... يتزوج مثل الناس... يبني أسرة... يشتري أرضا وهكذا. وحكومة الامارات كانت تعاقب أي مواطن اماراتي يتكاسل عن العمل... نحن نحمل ثقة ان هناك خيرين في السلطة يطمحون نحو تحسين وضع البحريني إلى ما هو افضل، ويحتاجون إلى دعم وتفهم ومؤازرة، وهذا هو الرهان. يجب ان نعمل على خلق الافق لتحسين وضع المواطنين.
الحكومة البحرينية يجب ان تقلل من هذه الضرائب المتزايدة... حتى اكياس القمامة عليها ضريبة... اصبحت اوراق الدولة اغلى من الذهب... تجديد رخصة قيادة عليها ضريبة... ضاع الجواز عليه ضريبة... جددت الجواز عليه ضريبة... وقفت في الشارع لابد أن تضع نقودا في بطن هذه العلب الكريهة التي زرعت كأنها اعواد مشانق... عداد في المنزل، عداد في الشوارع... تثمن ارضك وهي ارضك تقدم ضريبة... تسافر تدفع ضريبة وهكذا... طبعا كل في شأن وإدارة المرور والترخيص في شأن آخر، فضرائبها دائما في ازدياد و"الساتر الله" ولا من رقيب. بقي شيء واحد مازلنا نشعر بمجانيته هو الهواء، واقترح هنا ان يوضع عداد على انف كل مواطن. هذه ليست نكتة وانما حقيقة تعكس حال عدم الرضا لما تقوم به مؤسساتنا الرسمية من اقرار ضرائب ما انزل الله بها من سلطان. السؤال: هل هي وزارات خدمات أم وزارات جباية... اتذكر مقولة للخليفة عمر بن عبدالعزيز كان يقول: "ان الله بعث محمدا داعيا لا جابيا".
صحيح ان حكومتنا محدودة الموارد ولا تقاس يمثيلاتها من دول الجوار، ولكن الصحيح أيضا ان هناك موارد لو أحسن استعمالها لعشنا حياة افضل. السؤال: كم جزيرة في البحرين؟ 33 جزيرة. كم مشروعا سياحيا يعمل؟ ألسنا دولة يعد قطاعها المصرفي قويا؟ كم وصل سعر النفط؟ البحرينيون لا يعيشون إلا في الجزء الشمالي من الأرض. يؤسفني أن بعض نوابنا احيانا يتصارعون على الهوامش وعلى امور لا تغني ولا تسمن من جوع. اصبحوا كأقرعين يتصارعان على مشط!
الفقر ليس قدرا. ان الحكومة تستحق التصفيق الحار على تحسين الشوارع وزرع شبكات الصرف الصحي. تستحق الشكر على مشروع الاندية الرياضية النموذجية وبناء مراكز اجتماعية منها المركز الاخير الذي يراد بناؤه في السنابس... وتخفيض رسوم الجامعة وتأهيل البيوت الآيلة للسقوط، واتساع صدرها - ولو نسبيا - لنقد الصحافة، ولكن ايضا تستحق ان نذكرها ببعض الآلام، الرواتب الضعيفة، التوظيف تحت الطاولات، التمييز الذي اسميه بالطاعون، ولا ننسى البونس ايضا. نحن نحتاج إلى بروستريكا "إصلاح" في الضرائب، ايضا نحن بحاجة إلى الانتقال من ثقافة حزمة البرسيم واكياس الشعير إلى مرحلة الابداع والحضارة، وذلك لا يكون إلا باسكات البطون الجائعة لتفكر جيدا
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 949 - الإثنين 11 أبريل 2005م الموافق 02 ربيع الاول 1426هـ