العدد 949 - الإثنين 11 أبريل 2005م الموافق 02 ربيع الاول 1426هـ

فقراء البحرين في قفص الاتهام

المالتوسيون الجدد يعلنون الحرب

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مشكلة توفير الغذاء للأفواه الجائعة هي هاجس الدول المتحضرة، وكذلك هاجس كل زوج وزوجة، ولا نبالغ إذا قلنا انها من بين الحوافز التي تنظم الحياة الزوجية في صورتها الاجتماعية الأكثر استقرارا.

ولأن الموارد تكون محدودة والسكان يزيدون، برزت نظريات منذ القدم لمعالجة هذه الاشكالية. في الجاهلية قاد هذا الهاجس إلى وأد البنات، توفيرا للطعام ودرءا للعار في حال غزو القبائل البدوية الاخرى. وفي أواخر القرن الثامن عشر قاد الهاجس ذاته قسيسا بريطانيا متشائما اسمه روبرت مالتوس، إلى الدخول على الخط، في مقال نشره العام 1798 تحت عنوان "تزايد السكان وتأثيره في تقدم المجتمع في المستقبل"، فاقترح وضع حد للزيادة السكانية. وكان مالتوس في نظريته الشهيرة يرمي إلى منع الحمل بوسائل مثل الرهبنة وتأخير الزواج، حتى لا يزداد السكان بشكل يؤثر على معدل الدخل القومي للفرد!

الاقتصادي العربي الكبير رمزي زكي، تعرض للفكرة في كتاب له عن "خرافة" المالتوسية، وفي سياق مقارعته لطروحات الليبرالية المتوحشة، أثبت بلغة الخبير الاقتصادي ان الأرض تستوعب 36 مليار نسمة، بينما لا يزيد عدد السكان على 6 مليارات. هذا على مستوى الكرة الأرضية، أما على مستوى جزيرة صغيرة جدا في قعر الخليج يجهل موقعها 5,750 مليارات من سكان العالم، فهناك من يتحدث اليوم بيننا عن مشكلة تهدد الدولة بالانهيار! ويتحدث عن شعب هذه الجزيرة بلغة غير مهذبة، ولا يتورع عن استخدام كلمة "التفريخ"، وما يستبطنه ذلك من احتقار لعامة الشعب، واصفا نساء البحرين بالدجاج، وأطفالهن بالفراخ، ولم يبق ليبلغ "قمة الأدب" إلا وصف الرجال بالديوك والثيران!

لغة سوقية بلاشك، ولكن حذار أن تنتقدها، فسيكون الرد في اليوم التالي افتتاحية من معلقات الجاهلية أيام داحس والغبراء، تدافع عن حرية التعبير و"الليبرالية" التي تنشر النور والضياء في ربوع هذا الوطن! ومن أنت حتى تنتقد؟ وسرعان ما تبدأ محاولات لقمعك، واتصالات لإسكاتك، وتحريض ضدك في عملك، لكيلا تنتقدهم مرة أخرى! فملعون من يقترب من هذا المعبد المقدس، وطارئ على مهنة الشرفاء والعظماء و"الصحافيين المفكرين الكبار"، هذه المهنة التي أصبحت إرثا حصريا على فئة تتوارثها كما يتوارث كهنة المعابد الشمعدانات والمباخر والبخور!

ولأن "المالتوسيين الجدد" لا يملكون الجرأة لمناقشة أية قضية جوهرية في البلد، نراهم يهربون إلى القضايا التي لا تورط صاحبها بالحبوس! ولا يجدون غير "الطوفة الهبيطة" يصبون عليها كل أوصافهم وكلماتهم البذيئة، وليس هناك من هو أضعف حالا من أصحاب الدخل المحدود، أصحاب الـ 150 دينارا، فهؤلاء هم الذين يهددون ازدهار البلد ورفاه المجتمع، ويهددون بتقويض الأسس المتينة لدولة الرفاه العميم، بسبب ما ينجبونه من "فراخ" وصيصان!

أما الفساد المالي والاداري، أما ملايين بنك الاسكان، أما خليج توبلي وغيره من الخلجان، اما الاستيلاء على المقابر وتوزيعها وبيعها قسائم سكنية... فكل هذه أفلام رعب سوداء يرتعدون لو طافت ذات يوم بعقولهم الحرة المتنورة.

المشكلة السكانية التي يحاولون الترويج لها، من المؤكد انها ليست أكبر مشاكل هذا البلد، الذي مازال أكثر الأيدي العاملة فيه من الاجانب، من بائع الصحف إلى مدير حسابات الشركات. وبدل أن يفكروا بحلول لإحلال المواطن محله من التنيمة الحقة، نراهم يهربون إلى التفكير في "كبت" النسل. وكم كنا نتمنى لو تجرأوا مرة واحدة فقط في حياتهم لطرح قضية التجنيس، وما سيتبعه من مآس وويلات في المستقبل.

صدر البحرين لم يضق عن احتضان أهلها ووافديها، ومواردها لم تعجز عن إطعام شعبها وضيوفها عبر العصور، وإذا كان ثمة خلل فابحثوا عنه عند غير طبقة الفقراء والمعدمين. هؤلاء هم ملح الأرض ودواؤها، والمرض عند طبقات أخرى، "تأكل ما تجد، وتبحث عما لا تجد"، لو أرادت لبن النوق العصافير لنالته، ولا يسد عينها إلا التراب.

الخلل الذي لم يفطن له قتلة البنات في الجاهلية، ولم يفطن له القس مالتوس، ولا أتباع مالتوس، موجود حتما، ولكن في قطاعات أخرى، ابحثوا عنه في السياسة والإدارة والتخطيط. وإذا كان على أبصار هذه الجماعة غشاوة، فمن حق فقراء البحرين أن يتوقف مسلسل الإساءة اليومية إليهم، وليبدأوا بتطهير كتاباتهم من كلمة "الفراخ" والتفريخ

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 949 - الإثنين 11 أبريل 2005م الموافق 02 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً