العدد 949 - الإثنين 11 أبريل 2005م الموافق 02 ربيع الاول 1426هـ

"أصوليات" أميركية "2"

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

"الأصوليات" الأميركية ليست طبعة واحدة ولكنها في مجموعها تنتمي إلى فروع مختلفة تستقي تفسيراتها الخاصة من فرضيات تسقط الماضي على الحاضر، محاولة الاستفادة من غياب منافس على المسرح الدولي لتمرير مشروعات سياسية لها صلة بالنفط والغاز والثروات والسيطرة على المفترقات الاستراتيجية تمهيدا لفرض وصاية "امبراطورية أميركية" في دائرة "أورآسيا" وهي المنطقة الوسطى التي تربط وتفصل آسيا عن أوروبا.

"الأصوليات" الأميركية في هذا المعنى تمثل البعد الأيديولوجي لمصالح تجمع الشركات الاحتكارية "الكارتيلات" التي تتعاطى صناعات النفط والأسلحة وتحتاج دائما إلى حروب مفتعلة لتسويق إنتاجها والسيطرة على مصادر الطاقة "القوة الطبيعية".

وبسبب هذا الارتباط بين الشركات والأيديولوجيا تميزت "الأصوليات" الأميركية بنزعة خاصة طبعت توجهات إدارة البيت الأبيض نظرا إلى خصوصية العلاقة بين التفكير المسيحي - الصهيوني وبدايات تأسيس الولايات المتحدة.

فمنذ اكتشاف كريستوف كولمبوس للأراضي الجديدة في نهاية القرن الخامس عشر وبدء حركة الإصلاح الديني في مطلع القرن السادس عشر انتشرت نزعة أيديولوجية هيمنت على توجهات المهاجرين الأوائل إلى "الأرض الجديدة". فهؤلاء حملوا معهم بذور هذا التفكير الأيديولوجي من الأرض القديمة "أوروبا" إلى أرض موعودة اعتبرت في مخططاتهم بمثابة هبة إلهية قدمها الرب لإعادة تأسيس "مسيحية جديدة" لا علاقة لها بتاريخ الكنيسة المسيحية القديمة في شقيها الأرثوذكسي الشرقي والكاثوليكي الغربي.

ومنذ البداية لاحظ الفيلسوف الألماني فريديرك هيغل في كتابه عن "فلسفة التاريخ" أن أميركا تتميز بشخصية مختلفة عن أوروبا وهي شخصية مرتبطة إلى حد كبير بالتفكير الديني، وتوقع أن يكون لهذه الدولة دورها المميز في التاريخ. فأميركا التي تأسست على قواعد أيديولوجية جديدة خالفت التاريخ الأوروبي، إذ في الوقت الذي كانت فيه أوروبا تحاول جاهدة الفصل بين الدين والدولة "العلمانية والدستور المدني" كانت أميركا تتأسس وفق منهج أيديولوجي يربط الدين بالدولة.

البعد الديني في السياسة الأميركية ليس جديدا إذا، فهو يعود إلى بدايات التأسيس حين بدأ المهاجرون الأوائل يطردون سكان الأرض الجديدة "الهنود الحمر" ويؤسسون ولاياتهم وفق منظومات لاهوتية تدعي أن الأرض هبة ولابد من شكر الرب عليها "الاحتفال سنويا بعيد الشكر". ومنذ تلك الفترة نشأت علاقة أيديولوجية تجمع بين فكرة تأسيس الدولة في أميركا وبناء الهيكل في فلسطين. وهذه الصلة الأيديولوجية رسخت لاحقا سياسة دعم "إسرائيل" بأي ثمن ومن دون انقطاع. والسبب هو ذاك التشابه بين قيام الدولة في أميركا "الاستيلاء على الأرض وطرد سكانها" وبين نشوء دولة "إسرائيل" في فلسطين التي قامت على الأفكار نفسها، وهي: الاستيلاء على الأرض وطرد سكانها.

انطلاقا من هذه الصلة الأيديولوجية اتجه معظم قادة أميركا إلى الإيمان بضرورة دعم المشروع الصهيوني انطلاقا من نظرية وهمية وهي أن "إسرائيل" مشروع مقدس، وهي محطة لابد من المرور بها تمهيدا لعودة المسيح بعد تجميع اليهود في فلسطين. ولذلك يمكن فهم لماذا قامت السياسة الأميركية تقليديا على مجموعة ثوابت، منها: أمن "إسرائيل" أولا، تأمين تفوق "إسرائيل" العسكري في كل المجالات، وأخيرا حمايتها من أي خطر يأتي من دول الجوار. وهذا ما يظن بوش الابن أنه يقوم به خلال حروبه المستمرة وتهديداته الدائمة للعرب والمسلمين من أفغانستان والعراق إلى فلسطين ولبنان والسودان.

طبعا هذه النزعة الأيديولوجية "الدينية" ذات طبيعة أميركية خاصة لها صلة بالنشأة الأصلية لفكرة الدولتين "أرض بلا شعب لشعب من دون أرض". فالأصوليات المنتشرة في الولايات المتحدة الآن هي أميركية النكهة ولا صلة لها بالمسيحية، لأنها تأسست في إطار جغرافي - زمني، لعبت الأيديولوجيا خلالها الدور المركزي في توليد ديناميات سياسية تبرر قتل "الهندي الأحمر" والاستيلاء على أرضه.

هذا اللون الأيديولوجي الفريد من نوعه يشكل ضمنا ذاك الرابط السحري بين السياسة الأميركية ودعم "إسرائيل" في مختلف الحالات والمجالات. إلا أن هذا التفسير لا يكفي لفهم تلك العلاقة المعقدة بين الهجوم الأميركي على العالمين العربي - الإسلامي وسياسة المحافظين الجدد. فالأهداف لا تختصر بأيديولوجيا الخرافات بقدر ما هي مرتبطة أيضا بقواعد أخرى "استراتيجية واقتصادية" تتشكل منها الإدارة الأميركية في طبعتها الأصولية المعاصرة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 949 - الإثنين 11 أبريل 2005م الموافق 02 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً