عندما هددت الحكومة جمعية الوفاق الوطني الإسلامية بالغلق في الأسابيع القليلة السابقة وتحديدا بعد مسيرة سترة، والتلويح بين الفينة والأخرى بالعقوبة الرادعة والقصاص التي ستنالها، ولاسيما أن المسيرة منعت من قبل وزارة الداخلية، برزت ردود فعل من قبل مؤسسات كثيرة أظهرت موقفها تجاه زميلتها "الوفاق"، كما أفرزت ردود الفعل مواقف عبرت في الغالب عن عدم الرضا بإنزل العقاب بها.
ونظرة فاحصة لمواقف بعض المؤسسات السياسية وتحليلها، علنا نوفق في ذلك. فعندما منعت الوفاق من الخروج في مسيرة الإصلاح الدستوري، والتي خرجت من سترة، وجدنا أن هناك الكثير من الفرقاء أصدروا بيانا ذكرنا بأيام حوادث التسعينات، فقد حاولوا إظهار "ولائهم" بشكل مثير للفتنة، وكأنه لا أحد في هذا البلد يحب الوطن سواهم، ضاربين بعرض الحائط ولاء من تظاهر وعبر عن وطنيته برفعه علم البحرين. في الوقت نفسه، ظهرت جماعة عبرت عن رأيها بصدق، وهؤلاء نعتز بهم ونثني على وقفتهم، فهم يمثلون حلفاء العمل السياسي، فلم يكن يرضونها على أنفسهم أن تعاقب الوفاق بسبب تنظيم مسيرة سلمية حضارية تمكنت من خلالها إظهار تلاحمها مع الشارع. بمعنى آخر عندما تتعرض الوفاق للعقاب فكأنما ينزل العقاب عليهم أيضا، على رغم أنه في مسيرة سترة لم يتم اللجوء إلى التحشيد، وإنما خرج الجميع بوعي وشعور بالواجب الوطني إحساسا منهم بالمسئولية.
لقد وقفوا مع الوفاق بعيدا عن المواقف السياسية الأخرى كما كان يحدث في السابق، لأن القضية الأهم قضية عامة، ولكل منهم موقف معين منها ألا وهو القضية الدستورية، وليس المشاركة والمقاطعة كما كانوا يفعلون في كل مرة، من خلال مجموعة من التصرفات والأفعال سواء من خلال المهرجان التضامني والتي أعدته الأمانة العامة للمؤتمر الدستوري بالتنسيق مع التحالف الرباعي وبالتعاون مع الجمعيات السياسية الأخرى التي منها على سبيل المثال لا الحصر: جمعية الحريات العامة، جمعية المحامين، جمعية حقوق الإنسان، جمعية الوسط العربي الاسلامية، جمعية المنبر التقدمي الديمقراطي، إلى جانب وقوف البعض مع الوفاق من خلال بياناتهم الواضحة كجمعية المنبر الوطني الإسلامية، على رغم أن البعض كان وقف مع الوفاق على استحياء، ولم يكن لهم أن يحددوا موقفهم بشكل واضح من خلال تضارب مواقفهم قبل المسيرة وبعدها، فقد سبق ان استنكروا خروج المسيرة على رغم قرار المنع، إلا أنهم رجعوا وذكروا أن المسيرة حق من الحقوق ولا يمكن أن تعاقب الوفاق فقط لكونها خرجت في مسيرة سلمية، فقد حدث في يوم من الأيام أن حاولت هذه الجهات أن تتوحد إلا أنه لم يكن يسيرا على الحكومة أن تكون هناك جبهة موحدة في القضايا السياسية العالقة، فما كان لها إلا أن أججت الخلافات بينهم، ولم يهنأ لها بال الا عندما تمكنت من فض الشراكة والتحالف السياسي الكبير الموسع واقتصاره على تحالف رباعي تحت عنوان المشاركة والمقاطعة في الانتخابات. واعتبرت الحكومة آنذاك هذا الانجاز انتصارا منقطع النظير، إلا أنها لم تستوعب الموقف بشكله الكلي، إذ إن التحالف الرباعي على رغم كونه يتكون من أربع جمعيات سياسية فقط، إلا أنه يمثل جبهة وطنية متماسكة وصلبة تجاه أهم الملفات ألا وهو الملف الدستوري. ذلك الملف الذي أحاطه التحالف الرباعي بكل رعاية واهتمام، باعتبار ان أية إصلاحات سياسية حقيقية في بلدنا الغالي البحرين لن تكون إلا من خلال إصلاحات دستورية.
ما نريد أن نؤكده من خلال هذا المقال نقطتان مهمتان: الأولى متعلقة بالتوحد والالتفاف حول القضايا الوطنية الكبرى، ونأمل أن نتخذ من القواسم المشتركة الوطنية نقاط التقاء لا افتراق، فيجب استثمار ذلك في صوغ تحالفات معينة على حمل الهم السياسي الأكبر ألا وهو الملف الدستوري.
النقطة الثانية: وتتعلق بمحاولة اشغال الحكومة الوفاق عن القضية الأهم وهي الملف الدستوري بالجانب الحقوقي بدليل أن ما نسجته الحكومة لا يعد كونه زوبعة في فنجان، فلا أحد كان يتوقع أن تخرج الوفاق من بعد كل هذه الشحنات الكهربائية السالبة من دون إجراء قانوني، ولكن في محاولة مستميتة من الحكومة حاولت اشغال الوفاق في قضيتها كقضية حقوقية، فكيف لها أن تعاقب أو أن تغلق أو أن يحل مجلس إدارتها وهي لم ترتكب أي خطأ يذكر فقط كونها عبرت عن وجهة نظرها بمسيرة سلمية حضارية راقية؟
كل تلك التصرفات وردود الفعل بدت واضحة للعيان وعلينا جميعا أن نتنبه لها في المرات المقبلة، فالحكومة لا تنقصها القدرة على إنزال العقوبة بالوفاق بطبيعة الحال، ولكن لو أغلقت الجمعية ربما تكون هناك مسيرة أكبر بكثير من مسيرة سترة الدستورية، وهذا ما تنبهت له الحكومة، وما صدر عنها من إيحاءات تؤكد أن هناك عدم ارتياح من عمل الوفاق حمل بعضها طابع التهديد والوعيد، وأن العواقب لن تحمد. وما غير المعادلة هو وقفة الحلفاء والفرقاء في العمل السياسي إلى جانب الوفاق. وهو ما كان واضحا من خلال لقاء إدارة الوفاق مع وزيرة الشئون الاجتماعية، الوزارة المسئولة عن الجمعيات، ومن خلال إبلاغهم رسالة عدم وجود إجراءات قانونية تجاه الوفاق. وتم الاتفاق على مزيد من التنسيق والتعاون والتواصل، والعمل وفق النظام الأساسي للجمعية.
* كاتبة بحرينية
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 949 - الإثنين 11 أبريل 2005م الموافق 02 ربيع الاول 1426هـ