العدد 949 - الإثنين 11 أبريل 2005م الموافق 02 ربيع الاول 1426هـ

غزو الصين

المنامة - عادل مرزوق 

تحديث: 12 مايو 2017

"دخلت الصين وعلى محياك ابتسامة. .. أفلا تكون بابتسامتك هذه - حضرة الرئيس - تبيت في داخلك، غزو الصين؟!" طالب صيني يسأل الرئيس الأميركي كلينتون عند لقائه بالطلبة الصينيين.

في الماضي، كانت كل حضارة منظومة وبرمجة متناسقة ومنفردة بنوعيتها، أية بنية فوقية مكتفية عمليا بذاتها، ليست وليدة الخارج في شيء، إلا ما يتصل فيها من دون أن تدري. تلك المنظومة لا تندمج فيها الاقتباسات اندماجا نهائيا تاما، إلا ما أعيدت قولبتها وتشكلها على الشكل الذي يتلاءم مع المقتضيات والرموز الباطنية للرحم المتقبلة. قد تتداخل في صراعات مع مؤثرات من الخارج، إلا أنها تبقى في إطارها الكلي ملتزمة بنسقية ما، تفرضها عليها متخيلاتها التاريخية أو المصطنعة من تراث ورموز وصور للماضي.

أما اليوم، وقد تحولنا إلى عهد الحضارة الكونية، فقد أصبحت المشكلات تطرح في مستوى ذي أوساع وتعقيدات لا نسبة ولا مناسبة بينها وبين كامل تجربة الماضي. أصبحنا قادرين، على خلق سلسلة من القطع بدل الوصل المعهود.

لم يعد هم إنسان اليوم توفير الانسجام بين وفاءاته المختلفة داخل رفاهة ثقافة واحدة، مهدت سبيلها ووضعت معالمها الاجيال السالفة، أجيال هو في الوقت نفسه نتيجتها ووارثها، فقد "فقد" إنسان اليوم هذه الرفاهة، أو استطاع أن يتمرد عليها، هذا ما صح التعبير عنها بالرفاهة. اتعمد القبول بلفظة "رفاهة" ذلك ان القطع والعزل فيهما شيء من القسوة، أو البعد عما تحمله "عقولنا اليسرى" كما يعبر علماء النفس الفسيولوجي من طمأنينة للمسبقات المرحلة إلينا عبر التاريخ.

مع مر الزمان والتسارع المذهل، أصبح الإنسان في حاجة إلى أن يتعلم بوعي كامل وأحيانا بمفرده كيف يهيكل بنفسه وفاءاته المختلفة في سلم عالمي جديد، خرجنا من الرحم الأم "الشعبوية، القبلية، القومية" لنقع في مطب الكونية، ليس الانتقال الثقافي جمعيا، بل مفردا، لا أرى للحضارات والثقافات التي مازالت تقاوم الكونية من قوى حراك فاعلة، أصبحت تصارع البقاء بأقل الصور الممكنة، كأنها الغريق الذي تيقن الغرق.

الحضارة تفرز ما يفسدها كما يذهب ابن خلدون، وخرابها وفسادها مرهون ومرتبط بدخول الرموز الثقافية الكونية، عبر كل ما يحيط بها، من أجهزة اتصال وإعلام ونظم اقتصاد وتقنية. لعله الخراب الذي لا تملك أن تصفه بالخراب الجميل أو القبيح. لذلك، لم يكن أمام الطالب الصيني سوى أن يتوقع الخراب القبيح. لأنه كان يقرأ ثقافته الكونية الجديدة بعين مفردة، كان مضطربا، خائفا، متوجسا للغدر، لكنه كان شجاعا، ولعله ورث من ثقافته الصينية حسن الحدس





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً